بقلم الإعلامي /منوّر مقبل
عبدالسلام الدهبلي ليس مجرد اسم يُذكر على ألسنة أبناء تعز، بل هو فكرة تتجلى في كل زاوية من زوايا المدينة، فكرة تقف في وجه الزمن وتقهر المحن.
إنه ليس فقط قائدًا، بل هو أسطورةٌ تُروى عن الرجل الذي وقف بشموخ أمام أعاصير الحرب، والذي رفض أن يبيع مبادئه بأبخس الأثمان في وقتٍ أصبحت فيه المبادئ عملة نادرة. الدهبلي هو الرجل الذي لا يختبئ خلف الألقاب، ولا يبحث عن مكانةٍ اجتماعية أو سياسية تزيده بريقًا، لأنه بحد ذاته بريق لا ينطفئ، نورٌ ساطع في سماء تعز الملبدة بالغيوم، والشخصيات التافهة.
بينما يلجأ الكثيرون إلى استغلال الأزمات للترويج لأنفسهم، وبينما يسعى آخرون إلى تسلق الأضواء لكسب التعاطف أو تحقيق المكاسب الشخصية، اختار الدهبلي طريقًا مختلفًا، طريق الرجال الذين يُحدثون العالم بأفعالهم لا بأقوالهم.
لم يُلقِ بنفسه في أحضان الإعلام، ولم يجعل من حضوره مشهدًا يوميًا للظهور، لكنه جعل من غيابه علامةً على عمله الدؤوب، ومن صمته صوتًا يصرخ في أذهان الناس عن معنى الوطنية الحقيقية.
على مدار سنوات الحرب، كان عبدالسلام الدهبلي يُعيد صياغة مفهوم المسؤولية في عيون أبناء تعز. إنه الرجل الذي لم يُظهر خوفًا من الكهنوت الحوثي الذي يهدد كل شبرٍ من أرض المدينة، ولم يهن أو يضعف أمام آلات الحرب التي لا ترحم. لكنه كان، في الوقت نفسه، قائدًا إنسانيًا يفهم معنى السياسة بوصفها مسؤولية أخلاقية، ويعرف كيف يجمع بين قلوب المتفرقين ويلم شتات المختلفين. الدهبلي استطاع أن يكون حارسًا للصمود في وجه العدوان، ومُدافعًا شرسًا عن الحقوق في وقتٍ اختلطت فيه الولاءات والمصالح.
ما يجعل الدهبلي اليوم استثنائيًا ليس فقط كونه قائدًا في زمنٍ يشح فيه القادة الحقيقيون، بل لأنه رفض أن يكون قائدًا بمعنى السلطة المجردة، واختار أن يكون خادمًا لأبناء مدينته، سندًا لأحلامهم وآمالهم. لم يتخذ من الوطنية وسيلةً للمتاجرة، ولم يجعل من الجمهورية شعارًا يُرفع للتظاهر، بل عاشها في كل حركة وكل كلمة وكل قرار.
إنه الرجل الذي اختار أن يقف بجانب أبناء تعز، ليس فقط في المعارك والنضال ضد مليشيا الحوثي، بل في الحياة اليومية، في الأزمات التي تمس قوتهم وكرامتهم، في المحافل التي تُطالب بحقوقهم، وفي الساحات التي تُنادي بحريتهم، وأحلامهم ومطالبهم العادلة.
حين يتحدث الدهبلي عن تعز، فإن صوته يخرج من أعماق قلبه، ممتزجًا بروح التاريخ وثقل المسؤولية. إنه لا يُلقي خطبًا من أجل الشهرة أو الشعبية، بل ينفث في روح أهل المدينة الأمل، يُذكرهم بماضيهم العريق وحاضرهم المُثقل بالتحديات، لكنه لا ينسى أبدًا أن يرسم لهم صورة للمستقبل الذي يستحقونه، مستقبل مليء بالكبرياء والنصر. إنه يُحدثهم كواحد منهم، رجل يُشاركهم همومهم، ويعيش معهم كل معاناة عاشتها مدينتهم منذ اندلاع هذه الحرب العبثية.
الدهبلي ليس فقط رمزًا للقيادة، بل هو صورة مجسدة للوطنية التي تتجاوز الانتماءات الضيقة. إنه الرجل الذي لم يسمح للسلاليات الحزبية أو الولاءات السياسية أن تُفسد صورته أو تلوث رسالته. إنه الرجل الذي استطاع أن يجمع الفرقاء في مكانٍ واحد، وأن يُخاطبهم بلغة واحدة، هي لغة تعز ولغة الجمهورية، لغة الكرامة التي تجمع ولا تُفرق، لغة المواطنة التي تتسع للجميع دون إقصاء أو تهميش.
في الأوقات المفصلية من تاريخ المجتمعات، تُصبح الحاجة إلى قائدٍ مثل الدهبلي ضرورة وجودية. القائد الذي لا يُخدع باللحظة، ولا يستهوي الظهور، بل يكرس وجوده لصنع الأمل وترسيخ الروح الجماعية التي تُعطي الشعوب القوة لمواجهة ما لا يُطاق. الدهبلي يُدرك جيدًا أن الحرب ليست فقط سلاحًا يُشهر، بل هي إرادة تُبنى، وأمل يُستعاد، وكرامة تُحفظ. إنه يُجسد الإيمان بأن الأوطان لا تُباع ولا تُشترى، وأن الجمهورية ليست شعارًا يُعلق على الحائط، بل هي حياة تُعاش كل يوم.
عبدالسلام الدهبلي هو ذلك الصوت العميق في الضمير الجماعي لأبناء تعز، ذلك النور الذي لا ينطفئ مهما اشتدت العتمة. إنه الرجل الذي سيظل رمزًا للبطولة والوطنية، الرجل الذي أعاد تعريف معنى القيادة، وجعل منها مسؤولية أخلاقية وإنسانية تتجاوز كل حسابات السياسة الضيقة.
إذا كان التاريخ يحتفظ دائمًا بمساحات للحديث عن الرجال العظام، فإن عبدالسلام الدهبلي قد حجز مكانه بينهم بجدارة، ليس فقط كقائد، بل كإنسان يحمل في داخله حبًا للوطن لا يقاس، وإيمانًا بالجمهورية لا يُزعزع، وأملًا بالمستقبل لا ينطفئ.
هذا هو عبدالسلام الدهبلي، رجلٌ من أبناء تعز، ورمزٌ لكل أبناء اليمن، صوتٌ يقف في وجه الظلم، ويدٌ تمتد لترفع راية الحرية. إنه ليس فقط قائدًا للمعركة، بل هو قائد الروح والأمل والنصر.
التصنيف :
كتابات واراء