#عبدالرحيم_الفتيح
خضم اجتماعات تعقدها مكونات سياسية لمناقشة "اليمن ما بعد الحوثي"، لتكشف لنا كم أن النخبة تواصل هروبها من جوهر المشكلة، إلى فراغات مثيرة للدهشة والسخرية.
نعلم جيدا أن الإرهاب الحوثي لم يُفرض على اليمن بقوة سلاحه وحده، بل تمدد على أنقاض دولة كانت قد تآكلت بنيتها، وشُلَّت مؤسساتها، وتحولت سلطتها إلى غنيمة، هكذا فرّغ الصراع السياسي الدولة من مضمونها، لتملأ الفراغ شبكات مصالح متوحشة، تدير الشأن العام كأنه ملكية خاصة، وحولت مؤسسات الدولة إلى أدوات للإثراء أو ساحات صراع على النفوذ.
كما تعلم نخبنا السياسية أن الأزمة لم تكن ولا تزال إدارية فقط، بل سياسية بالدرجة الأولى، لعبت هذه المكونات جزاء اصيلا في خلقها عبر ما يسمى بالمحاصصة، لتصبح السلطة غاية بذاتها وهو ما جعل الإصلاح تهديدًا، لا ضرورة، مكونات قدّمت الولاء على الكفاءة، ليصبح الفشل المؤسسي سمة بنيوية لا طارئًا يمكن علاجه.
لذلك، فكل حديث عن بناء اليمن ما بعد الحوثي، يتجاهل أصل الكارثة وهي غياب الدولة كفاعل مستقل، وتحول مؤسساتها إلى واجهات خاوية تديرها مراكز القوى.
إن المنطق السياسي والإداري يقول أن لا نفع من إعادة هيكلة مؤسسات ميتة، ولا قيمة لقوانين جديدة دون إعادة تعريف العلاقة بين المجتمع والدولة،
ولا أمل بإصلاح إداري قبل تفكيك منظومة الفساد والمحسوبية التي جعلت الفساد جزءًا من معادلة السلطة لا عارضًا لها.
كما أن المنطق نفسه يصف نقاش اليمن "ما بعد الحوثي" بالأمر العبثي، ننطلق من جوهر المشكلة، بالإجابة على هذا التساؤل: كيف نعيد بناء الدولة كإطار جامع للمجتمع، لا كغنيمة حرب جديدة؟
في المقابل فإن أي حديث آخر خارج نطاق هذه الأسئلة الوجودية هو مجرد إنتاج مبكر لخيبة جديدة.
التصنيف :
كتابات واراء