حدود النار.. إلى أي مدى تستمر إيران في المواجهة مع إسرائيل؟.


 سارة شريف 
في كل الحروب السؤال الذي يؤرق الجميع هو ليس فقط كيف ستنتهي الحرب، بل متى؟، ولأن المواجهة بين إسرائيل وإيران خطيرة ليست فقط للجانبين، ولكن لأن دائرة المتأثرين بها كبيرة وتشمل دولاً ومناطق كثيرة فإن الإجابة عن السؤال مهمة لكثيرين.. بالنسبة لإسرائيل فإن نهاية الحرب تتوقف على تحقيق الهدفين (تدمير المنشآت النووية – القدرات الصاروخية) أما إيران فيدور حولها السؤال الهام: ما هي حدود قدرات إيران على الاستمرار في المواجهة مع إسرائيل؟

حدود قدرات إيران العسكرية
أطلقت طهران وابلًا من الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، ونجح البعض في اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية المتطورة، ولكن مع استهداف إسرائيل للبنية النووية والعسكرية الإيرانية، يقول المحللون إن الضربات كانت محدودة، وإذا استمر الصراع بين البلدين، فقد تجد إيران صعوبة في مواكبة التطورات.

فضلاً عن الإهانة التي وجهت لإيران عقب الاستهداف الدقيق للقيادات العسكرية والعلماء النوويين، فإذا استطاع “الموساد” استهداف شخصيات مثل قائد “الحرس الثوري” حسين سلامي، ورئيس أركان الجيش محمد بيرغيري، فإن مسألة القضاء على الزعماء السياسيين والدينيين أيضاً، وربما المرشد الأعلى علي خامنئي نفسه هي مسألة وقت، كل هذا يسبب الجنون داخل طهران.

لوضع تصور لحدود قدرات إيران يجب النظر أولاً على طبيعة قدرات إيران العسكرية. يعتقد أن إيران تمتلك أكبر مخزون من الصواريخ الباليستية وأكثرها تنوعا في الشرق الأوسط، ومنذ أن تعهد المرشد الأعلى لإيران بفتح “أبواب الجحيم”، أصبحت هذه القدرات حاضرة على السطح، كما أنها تمتلك كميات هائلة من الصواريخ قصيرة المدى والأسلحة الأسرع من الصوت، ومعظمها منتج محليًا.

بحسب الجنرال الأميركي، كينيث ماكنزي، في جلسة استماع للجنة في “مجلس الشيوخ” عام 2022 فإن الإيرانيين لديهم أكثر من 3000 صاروخ باليستي من أنواع مختلفة يمكنها الوصول إلى تل أبيب، مشيراً إلى أنهم حققوا “تقدما ملحوظا” في مجال صواريخهم الباليستية على الرغم من “نظام العقوبات الكبير للغاية”.

فيما نشرت وكالة “أنباء الطلبة” الإيرانية شبه الرسمية العام الماضي رسمًا بيانيًا يظهر تسعة أنواع من الصواريخ الإيرانية، وقالت إنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل، وفي الشهر الماضي، كشف وزير الدفاع الإيراني عن صاروخ “قاسم بصير” الباليستي، قائلاً إنه مصمم للتهرب من أنظمة الدفاع الجوي مثل نظام “باتريوت” الأميركي الصنع، لكنه ليس فعالاً مع منظمة “ثاد” الأميركية، والتي نُقلت بالفعل إلى إسرائيل مرتين، في تشرين الثاني/أكتوبر الماضي، وأيار/مايو 2024.

إسرائيل تحذّر خامنئي من مصير صَدّام.. وترامب يصعّد ضد طهران: 

من جانبه علق الباحث في مركز الحوار الاستراتيجي، كميل البوشوكة، لـ “الحل نت”: “إيران تمتلك قدرات عسكرية صاروخية فقط، خاصة في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، هذه القدرات تعطيها بعض الميزة في الحروب بعيدة المدى، لكن هناك قيود أهمها أن الدفاعات الجوية الإيرانية ليست قوية وفقط مركزة في مناطق محددة مثل منشآت النفط والنووية، مما يجعل مواقع أخرى عرضة للضربات الإسرائيلية”.

كما أن الضربات الإسرائيلية استهدفت قادة عسكريين بارزين (مثل حسين سلامي ومحمد باقري ورئيس استخبارات الحرس الثوري وعدد كبير من القيادات) وعلماء نوويين، وهو ما قد يضعف التنظيم العسكري لمواجهة إسرائيل على المدى الطويل، كما أن الوكلاء الإقليميون مثل “حزب الله” يعانون من الضعف الشديد، مما يقلل الضغط المباشر علي إيران لأن الوكلاء غير قادرين على جبهة قوية ضد إسرائيل، ومن الناحية الاقتصادية فإن إيران تعاني من أزمات اقتصادية مزمنة، تفاقمت بسبب العقوبات الدولية، والضربات على منشآت نووية وعسكرية قد تزيد من الضغط على الاقتصاد، كما أن الاحتياطات المالية في إيران محدودة بشكل كبير، مما يقيد قدرات الإيرانية للاستمرارية لفترة طويلة في المعارك ضد إسرائيل.

استراتجية الهجمات الإيرانية
وبناءً على ما سبق، وعلى شكل الهجمات في الأيام السابقة، فإن القدرة الباليستية الإيرانية هي ما يهدد إسرائيل، أقوى وسائل طهران لضرب إسرائيل، حيث يتطلب الوصول إلى إسرائيل من إيران صواريخ يزيد مداها عن 1000 كيلومتر (621 ميلاً)، تُعرف أيضًا باسم الصواريخ الباليستية متوسطة المدى. تمتلك إيران تشكيلة واسعة منها، تشمل صواريخ تعمل بالوقود السائل، مبنية على تعاون مع كوريا الشمالية، مثل “قدر” و”خرمشهر”، بالإضافة إلى صواريخ باليستية متطورة تعمل بالوقود الصلب.

بعض هذه الصواريخ، مثل صاروخ “خيبر شكان”، مُجهّز بمركبات عودة قابلة للمناورة مزودة بزعانف تحكم ونظام ملاحة عبر الأقمار الصناعية، لزيادة دقتها وتمكينها من المناورة داخل الغلاف الجوي، تزعم إيران أنها طوّرت نسخةً مُختلفةً من صاروخ “خيبر شكان”، تُسمى “فاتح”، قادرة على التحليق في مسارات تفوق سرعة الصوت (غير باليستية) عبر الغلاف الجوي، مما يُصعّب اعتراضها.

بالإضافة إلى هذه الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، تمتلك إيران ترسانة ضخمة من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (SRBMs، بمدى يتراوح بين 300 و1000 كيلومتر)، بعضها من صواريخ “سكود” السوفيتية يستخدم الوقود السائل، بينما يستخدم معظمها الوقود الصلب، كما أن العديد منها مزود بزعانف تحكم وأنظمة ملاحة عبر الأقمار الصناعية.

إسرائيل تهاجم منظومة الصواريخ الإيرانية: 

الحكم على قدرات إيران ومدى استمراريتها لا يتعلق فقط بالقدرات العسكرية لدى إيران، فكل الصواريخ التي بحوزة إيران قد لا تتمكن من الوصول لإسرائيل، خاصة مع الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت منظومة إطلاق الصواريخ الإيرانية.

تقدر إسرائيل أن إيران لا تزال تحتفظ بألفي صاروخ باليستي من ترسانتها الأصلية، ومع استهداف أكثر من 170 هدفًا استراتيجيًا، ومعاناة طهران من ضربات الجيش الإسرائيلي المستمرة، لا يزال الحديث عن احتياطيات إيران الصاروخية المتبقية وهيكلها القيادي المضطرب، محل تساؤل.

فيما يُقدّر مسؤولو الأمن الإسرائيليون أن إيران تمتلك حوالي 2000 صاروخ باليستي متبقي من ترسانتها الأولية التي بلغت 3000 صاروخ عند بداية الصراع الحالي، حيث تم تدمير أو إطلاق حوالي ثلثها، حتى الاثنين الفائت، بحسب ما أعلن الجيش الإسرائيلي، عن أول إحصائيات له عن الحرب بشأن نجاحه في إسقاط الصواريخ الباليستية الإيرانية، حيث حددها بنسبة 80-90%، مع إصابة حوالي 5-10% فقط من الصواريخ الباليستية للمناطق السكنية الفعلية.

وقال الجيش الإسرائيلي، إن نجاح سلاح الجو الإسرائيلي في تدمير العشرات من منصات إطلاق الصواريخ والعديد من الصواريخ أدى إلى تقليص وتيرة إطلاق الصواريخ الإيرانية من مئات الصواريخ في المرة الواحدة إلى عشرات الصواريخ في المرة الواحدة.

الحرب الإسرائيلية الإيرانية: كيف تستهدف مدن إيران من الداخل العراقي؟

فيما أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، العميد إفي ديفرين، أن سلاح الجو الإسرائيلي دمر ثلث منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية، أي ما مجموعه 120 منصة، وكان بإمكان كل قاذفة أن تطلق عشرات الصواريخ على مدار الحرب الحالية. وقال ديفرين إن النظام الإيراني لم يتمكن إلا من إطلاق نحو نصف الصواريخ التي كان ينوي إطلاقها خلال الليل.

حيث شنت حوالي 50 طائرة مقاتلة تابعة للجيش الإسرائيلي ليلة السبت موجة غارات جوية واسعة النطاق فوق طهران، أصابت أكثر من 80 هدفًا، بما في ذلك مقر وزارة الدفاع الإيرانية، ومنشأة مشروع “سيباند” النووي، ومواقع تُخفي الأرشيف النووي الإيراني، وهي جزءًا من حملة أوسع نطاقًا استهدفت أكثر من 170 موقعًا و720 بنية تحتية عسكرية في أقل من ثلاثة أيام.

وفقًا لتقرير صحيفة “إسرائيل اليوم”، أعاق الهجوم الإسرائيلي، المدعوم بعملية سرية للموساد لتهريب طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية، قدرة إيران على شن هجمات صاروخية واسعة النطاق بشكل كبير.

من جانبه، قال مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع المستوى: “منذ بدء القتال، أُطلق نحو 350 صاروخًا على إسرائيل. نسبة التسرب حوالي 10%، وللأسف لدينا 26 قتيلًا وواحد مفقود”. وأضاف: “إن تحركات سلاح الجو في غرب إيران دفعت الإيرانيين إلى التراجع، مما أجبرهم على إطلاق الصواريخ من شرق إيران. إن عمليات مطاردة سلاح الجو لمنصات الإطلاق تُصعّب عليهم الأمر بشكل كبير. إنهم يرغبون في إطلاق المزيد، لكنهم ببساطة لا يستطيعون”.

فيما صرح عضوان في “الحرس الثوري” لصحيفة “نيويورك تايمز”، إن إيران خططت في الأصل لإطلاق 1000 صاروخ باليستي على إسرائيل ردًا على الضربات الإسرائيلية على إيران، وقالوا إن الضربات الإسرائيلية على قواعد الصواريخ الإيرانية “جعلت من المستحيل نقل الصواريخ بسرعة من المخازن ووضعها على منصات الإطلاق”.

وهذا يعني أنه خلال بقية الحرب، فإن قدرة إيران على إطلاق المزيد من الصواريخ في وقت واحد سوف تنخفض بمقدار الثلث على الأقل، إن لم يكن أكثر.

إرهاق عسكري: 

بالنسبة لإسرائيل، فإن صد هذه الهجمات الضخمة سيُرهق دفاعات إسرائيل. فعدد منصات إطلاق الصواريخ الاعتراضية محدود. علاوة على ذلك، فإن فرز جميع الصواريخ الواردة، وتحديد وجهة كل منها، وتحديد أي منصة اعتراضية يجب تخصيصها لكل صاروخ، سيُرهق هيكل القيادة والتحكم، بالإضافة إلى موارد الرادار، ربما كان وصول بعض الصواريخ نتيجةً لاضطرار إسرائيل لإعطاء الأولوية للدفاع عن أهداف معينة. ومن المحتمل أيضًا أن بعض الصواريخ لم تُشتبك في البداية، إذ بدت وكأنها موجهة إلى مناطق غير مبنية، لكنها تمكنت لاحقًا من المناورة لإصابة الأهداف.

فيما ستؤدي هذه الهجمات إلى استنزاف مخزونات إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية، وقد استُنفدت هذه المخزونات أكثر بسبب عشرات الهجمات الصاروخية “الحوثية” على إسرائيل منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد الهجوم الإيراني الثاني، عُزِّزت الدفاعات الصاروخية بنشر الولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” في إسرائيل، والذي استُخدم بالفعل للدفاع ضد هجمات “الحوثيين”.

لذا، حتى لو راقبت إسرائيل (أو الولايات المتحدة) استعدادات الإطلاق من إيران، فلن يكون هناك وقت كافٍ لتدمير الصواريخ على الأرض. علاوة على ذلك، ونظرًا للمسافات والعدد المحدود لطائرات التزويد بالوقود جوًا التابعة للجيش الإسرائيلي، لن تتمكن الطائرات الإسرائيلية من البقاء في المجال الجوي الإيراني للرد على خطر إطلاق صاروخ وبالنسبة لإيران فإن الاتصالات مع مثل هذه القوة المتفرقة قد تكون صعبة، كما أنه من غير الواضح إلى أي مدى سوف يتعطل أي رد عسكري محتمل بسبب الوفيات في هيكل القيادة العسكرية، وذلك بحسب  سافيلسبيرج، المتخصص في مجال الدفاع الصاروخي.

كيف ستنتهي الحرب؟

إذا بدأت إيران في وقت ما بإطلاق “50 إلى 100 صاروخ فقط” يوميا، وربما خفضت هذا العدد إلى العشرات في اليوم في وقت ما، وكان لديها أكثر من ألف صاروخ في البداية، فقد تتمكن من إبقاء الجبهة الداخلية الإسرائيلية تحت نيران كثيفة لأسابيع أو أشهر، أما إذا استمرت في إطلاق مئات الصواريخ يومياً فلن تستطيع الاستمرار في الهجمات أكثر من أسبوعين.

إيران التي فقدت قيادتها العسكرية العليا، وقيادتها العليا لبرنامجها النووي، كما فقدت مواقع رئيسية للدفاع الجوي، ومن ناحية أخرى، تمكنت إيران من إطلاق عدد صغير للغاية من الصواريخ التي ضربت أهدافاً عشوائية، ستواجه صعوبة بالغة حال استمرار الحرب لفترة طويلة، فإذا واصل الإسرائيليون زخم ضرباتهم، فسيصبح من الصعب على الإيرانيين الدفاع عن أنفسهم، ناهيك عن الرد، بحسب تقديرات.

وحول مدى استمرار إيران في الهجمات، علق البوشوكة لـ”الحل نت”:  “إيران قادرة على مواصلة المواجهة لفترة قصيرة المدى بفضل ترسانتها الصاروخية، لكن استمرار الضربات الإسرائيلية قد يؤدي إلى استنزاف قدراتها، خاصة أن إيران تمتلك حوالي ألفين صاروخ باليستي فقط. كما أن إسرائيل دون تدخل أميركي مباشر سوف تعاني من استمرار المعارك مع إيران لأنه يتم استنزاف إسرائيل اقتصاديا وامنيا وحتي عسكريا وسياسيا”.

واختتم حديثه، بأن إيران تزعم أن مستعدة للاستمرار لعدة أشهر ولكن النظام الإيراني غير قادر أو يواجه أزمة كبيرة في معارك طويل المدي لذا فإن النظام الإيراني يستطيع يستمر لفترة أسبوعين فقط. بعد الأسبوعين النظام سيواجه أزمات اقتصادية وأمنية وحتى عسكرية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال