م .لطفي بن سعدون الصيعري.
صدور القرار الأممي 2216 في أبريل 2015 تحت الفصل السابع، أصبحت اليمن دولة خاضعة لما يشبه “الوصاية الدولية”، من خلال إشراف مباشر وغير مباشر من قبل الرباعية الدولية (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات).
ورغم مضي قرابة عقد على ذلك، فإن الأوضاع في اليمن – وخاصة في المناطق “المحررة” – تشهد انهياراً اقتصادياً وخدماتياً وأمنياً شاملاً، دون أن يظهر أي التزام ملموس من قبل تلك الدول بتحقيق الاستقرار والتنمية. وبداية علينا التعريف بماهية الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة .
فهذا الفصل يُخوِّل مجلس الأمن اتخاذ إجراءات قسرية (بما فيها استخدام القوة) ضد أي دولة او جماعة في دولة ، يرى أنها تشكل تهديداً للسلم أو خرقاً له، أو أنها قامت بعمل عدواني.
والقرارات الصادرة بموجبه تكون ملزمة قانوناً لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويحق لمجلس الأمن تعيين دول أو تحالفات لتكون مسؤولة عن تنفيذ تلك القرارات.
وهذا يجرنا لمعرفة ما هي الالتزامات القانونية الواقعة على الرباعية؟ فبموجب الفصل السابع، فإن الدول المشرفة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن في اليمن، وبالذات الرباعية، تتحمل عدداً من الالتزامات الدولية، منها: الالتزام بعدم التسبب في معاناة المدنيين : فوفقًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف، فإن الأطراف المتدخلة ملزمة بعدم إحداث ضرر مباشر أو غير مباشر بالسكان المدنيين، بما في ذلك الضرر الاقتصادي والمعيشي الناتج عن السياسات الخاطئة، أو دعم منظومات حكم فاسدة، أو التلاعب بالعملة أو الموارد السيادية.
مسؤولية حماية السكان : مبدأ “مسؤولية الحماية” الذي تبنته الأمم المتحدة عام 2005 ينص على أن المجتمع الدولي – خاصة عندما يكون متدخلاً – مسؤول عن حماية الشعوب من الجرائم الكبرى: المجاعة الجماعية، الفساد الممنهج، الانهيار الاقتصادي ومنها انهيار العملة وارتفاع الأسعار وتفشي الجوع وانهيار الخدمات وعلى راسها الكهرباء ، والتهجير القسري، وهي جميعها حاضرة اليوم في اليمن.
الالتزام بإعادة الإعمار والتنمية عندما تتدخل قوة دولية في دولة ما – سياسياً أو عسكرياً – فإنها لا تُعفى من المسؤولية عن إعادة بناء المؤسسات، دعم الخدمات الأساسية، واستعادة قوة العملة الوطنية، وهي التزامات خرقتها الرباعية بشكل صارخ.
المساءلة الدولية : الدول المتدخلة يفترض أن تُسأل دوريا أمام جهات قانونية دولية (محكمة العدل الدولية، محكمة الجنايات الدولية، لجان الأمم المتحدة الخاصة) عن الإهمال أو التواطؤ في تفكيك مؤسسات الدولة، ودعم الفساد، وتمكين نخب غير وطنية.
و من هنا يبرز السؤال الملح ، عن واقع اليمن تحت “الرباعية”: فرغم تحكم الرباعية بمفاصل القرار السياسي والاقتصادي والعسكري في اليمن، إلا أنها لم تلتزم حتى بأدنى درجات المسؤولية:
●العملة الوطنية تنهار حتى وصلت لأكثر من 750 ريال/ريال سعودي.
●الكهرباء معدومة في مدن حارة كعدن والمكلا، رغم وجود بعض الدعم الخليجي المحدود.
●الفساد مستشرٍ في أعلى هرم السلطة وفي السلطات المحلية، ويُعيَّن المسؤولون بلا كفاءة ولا محاسبة وعليهم شبهة الفساد.
●المعونات الإنسانية تتعرض للنهب والتحكم السياسي.
●صناعة القرار المحلي معطلة وتُدار بالتوجيهات الخارجية لا الوطنية.
● تصدير الثروات الوطنية النفط والغاز بسبب تهديدات الحوثي ، وموقف الرباعية المتفرج لاكثر من سنتين. وازاء كل ذلك ، ماذا يمكن أن يفعل الشعب ومكوناته السياسية والمدنية؟ ففي ظل هذا الواقع المنهار ، يتحتم على الشعب في المناطق المحررة – ومكوناته السياسية والمدنية – ألا يقف موقف العاجز، بل أن يبدأ في استعادة المبادرة من خلال: إعلان رفض الهيمنة الخارجية دون تفويض شعبي :
على المكونات المجتمعية إصدار بيانات واضحة تُظهر أن ما تقوم به الرباعية لا يحظى بشرعية داخلية، وأن الشعب يرفض استمرار الوضع الراهن بوصفه انتهاكاً لسيادته ومصالحه. تشكيل جبهة ضغط وطنية :
تحالف من النخب، والمكونات المحلية، والقيادات المجتمعية، والمستقلين لإطلاق حملة داخلية ودولية تطالب بـ:
●مراجعة شاملة للدور الخارجي في اليمن.
●التحقيق في الانهيار الاقتصادي والمعيشي.
●إقالة ومحاسبة الفاسدين المدعومين خارجياً.
اللجوء إلى الأدوات القانونية الدولية : بإمكان منظمات المجتمع المدني رفع ملفات قانونية موثقة إلى:
●مجلس حقوق الإنسان.
●محكمة العدل الدولية.
●المقررين الخاصين في الأمم المتحدة بشأن الفقر المدقع والحق في الغذاء والصحة.
التحالف مع قوى حقوقية وشعبية دولية :
استثمار التعاطف الدولي مع الشعوب المظلومة لخلق رأي عام عالمي ضاغط ضد سياسات الرباعية في اليمن. تحريك المبادرات الشعبية لاستعادة القرار المحلي:
سواء عبر السلطات المحلية المنتخبة أو المجالس الأهلية، أو حتى المكونات الحضرمية والجنوبية والمناطقية الأخرى ، لإدارة شؤونها بنفسها، وإرغام الرباعية على احترام إرادة الناس.
وختاما فإن صمت الرباعية أمام انهيار الأوضاع في المناطق المحررة ، ليس مجرد إهمال، بل انتهاك صارخ للقانون الدولي، وتواطؤ في تعميق الأزمة اليمنية.
وعلى الشعب ألا ينتظر رحمة الخارج، بل يتحرك، ويضغط، ويوثق، ويقاوم.
فاستعادة السيادة تبدأ أولاً من كسر حاجز الصمت، وبناء بديل وطني، صلب ورافض لكل أشكال التبعية.
التصنيف :
كتابات واراء