البيان الحوثي الغامض... تحسّب لهجوم خارجي أم تمهيد لتحرك داخلي؟


د. علي العسلي
في بيانٍ عسكري صدر فجر الأحد، 6 يوليو 2025، أطلق ناطق جماعة الحوثي، يحيى سريع، تحذيرات مبهمة وغير مسبوقة، سواء في نبرتها أو في مضمونها.

لأوّل مرة، يلمّح سريع صراحة إلى "تطورات خطيرة قد تحدث خلال الأيام المقبلة"، ويربطها بما وصفه بـ"الاستعداد الكامل لكل الاحتمالات".

فهل يعيد الحوثيون ما اعتادوا عليه من استباق الضربات المحتملة، بتقمّص دور "الضحية" لكسب التعاطف الداخلي والخارجي؟
أم نحن أمام حدث خارجي وشيك يستهدف الجماعة، خصوصًا بعد أن دمّر الكيان الصهيوني قدرات حزب الله، وأسكت إيران والحشد الشعبي، وبدأ التوجّه نحو تسوية مع غزة؟

هذه الإشارات اللافتة تتزامن مع أحاديث متواترة عن اقتراب التوصّل إلى اتفاق غير مباشر بين حماس وحكومة نتنياهو المتطرفة، بوساطة قطرية وضمانات أميركية، لإنهاء العدوان على غزة، وهو ما يُفترض أن يُخفف الضغط على الحوثيين، لا أن يرفع منسوب استنفارهم!

ومع ذلك، فإن بيان يحيى سريع حافل بإشارات مقلقة لا يمكن تجاهلها.
فبعيدًا عن الاستعراض الروتيني والمكرر لصاروخ "فرط صوتي" واستهداف مطار بن غوريون، برزت في البيان نبرة توجّس جديدة، بل وإشارة مبطّنة إلى خطر وشيك، حين قال: "نحن مستعدون وجاهزون للتعامل مع أية تطورات قد تحدث خلال الأيام المقبلة". 
هنا تبرز تساؤلات مشروعة:

لماذا استُخدم مصطلح "تطورات" بهذه الصيغة العامة والفضفاضة؟

هل لدى الحوثيين معلومات استخباراتية فعلية عن ضربة مرتقبة؟

أم أنهم يفتعلون الترقب ويهيئون له إعلاميًا لتحويله إلى فرصة سياسية؟

لقد حمّل البيانُ "العدو" مسبقًا مسؤولية ضربة لم تقع بعد، ما يوحي إما بترقّب حقيقي لها، أو بافتعال محتمل من قبل الحوثيين، أو حتى بوجود تنسيق غير معلن بشأنها.
فهل نحن أمام نسخة يمنية من سيناريو قصف منشآت إيران النووية، الذي تلاه رد رمزي على قاعدة العديد القطرية — والذي قال ترامب إن الإيرانيين استأذنوه فيه فأذن لهم — ليُستخدم لاحقًا كغطاء لتفاهمات أوسع، من بينها ربما ملف الحوثيين؟

ولمن يشكك في هذا الطرح، فليتأمّل كيف فاجأ الحوثيون والأميركيون العالم سابقًا باتفاق وقف الاستهداف المتبادل، الذي ما يزال ساريًا حتى اللحظة، رغم كل ما تعرّض له المشغّل الإيراني من الكيان الصهيوني والأميركي، وما تلاه من انتكاسات لإيران، دون أن ينكث الحوثي باتفاقه مع واشنطن!

بل قد لا يُستبعد أن يسعى الحوثيون، برضى ضمني من حلفائهم، إلى تحمّل ضربة محدودة تُعيد إليهم الزخم الشعبي، وتُحرج خصومهم في الداخل والخارج، كما حدث في الرد الإيراني الرمزي على قاعدة العديد، والذي تلاه تسريب تفاهمات ثلاثية: أميركية – إيرانية – موافَق عليها من قبل نتنياهو.
ولعلّ زيارة نتنياهو إلى البيت الأبيض لم تكن إلا للاحتفال بهذا "النصر على إيران"، كما قيل.

المفارقة أن بيان سريع العسكري بدا، للمرة الأولى، أقرب إلى الدفاع والتحسّب منه إلى التهديد والتصعيد!
وهذا مؤشر على أن الجماعة إما تمارس الخداع، أو لا تتحدث من موقع قوة، بل من موقع من يتوقّع الاستهداف الفعلي ويتهيأ للأسوأ.

ولا يمكن فصل هذا البيان عن التحركات الميدانية الأخيرة: من تحشيدات عسكرية باتجاه ثلاث محافظات خاضعة للشرعية، إلى المناورة الاستفزازية تحت شعار "لستم وحدكم" قرب الحدود السعودية، وما أعقبها من مناوشات في محور صعدة.

كما قد يُفهم البيان على أنه تمهيد نفسي وسياسي لتحرك داخلي مرتقب، في امتداد مباشر لبيان الحشود الجماهيرية في ساحة السبعين يوم الجمعة الفائت، تحت شعار: "ثبات مع غزة.. وجهوزية واستنفار في مواجهة العدوان".

كل هذه المؤشرات توحي بأن الحوثيين ربما يمهّدون لعدوان جديد ضد اليمنيين، تحت أية ذريعة، وربما يكون التحرك الداخلي متزامنًا مع استهداف خارجي، سواء كان مدبّرًا أو استغلالًا لظرف إقليمي.

وهنا يكمن جوهر التحليل، وسبب خطورة هذا البيان بالتحديد.

إن المطلوب من الشرعية أن ترصد هذه البيانات بدقة، وتقرأ ما بين سطورها، لا أن تنتظر حتى "يقع الفأس في الرأس"!
ينبغي أن تكون على درجة من الجاهزية والإرادة تُمكنها من استعادة الدولة، وإنهاء الانقلاب، واستباق أي تحرك حوثي، مع ربط السلوك الميداني للجماعة بخطابها الإعلامي، ورفع الجاهزية الأمنية والعسكرية، لا سيما في المحافظات المستهدفة.

كما يجب بلورة خطاب سياسي داخلي وخارجي، يكشف استغلال الحوثيين للقضية الفلسطينية، ويفصلهم عن المزاج الشعبي العربي، ويُبرز أنهم خطر على الأمن الإقليمي، لا ممثلون عن اليمن.

فبيان يحيى سريع لم يكن مجرد استعراض عسكري عابر، بل حمل في طيّاته إشارات سياسية وأمنية قد تُفهم على أنها رسائل مشفّرة، وربما تحمل دلالات على تفاهمات غير معلنة.

لقد انتقلت المعركة من إطلاق الصواريخ إلى إطلاق الرموز، وعلى الشرعية أن تُحسن قراءة هذه الرموز، وتحوّلها إلى مواقف حاسمة، سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.

فالصمت أو البطء في القراءة، سيجعل اليمنيين مجددًا مجرد متفرجين على أحداث تُصنع فوق رؤوسهم... دون إرادتهم!

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال