تهريب بلا حدود.. كيف توصل إيران أسلحتها إلى جماعة “الحوثي” رغم الرقابة الدولية؟


أسامة عفيف
رغم القيود الدولية المفروضة على تسليح جماعة “الحوثي” في اليمن، ما تزال إيران حتى اليوم، تنجح في إيصال شحنات كبيرة من أسلحتها المتطورة إلى “الحوثي”، عبر شبكة تهريب معقدة، تتجاوز الرقابة البحرية، وتخترق أنظمة التفتيش الدولي.  

ولا تتم عمليات التهريب هذه بشكل عشوائي، بل تعتمد على مسارات بحرية متعددة، مستفيدة من تعاون بعض الدول الوسيطة، والشركات الوهمية، ضمن منظومة متكاملة، يقودها “فيلق القدس”، التابع لـ”الحرس الثوري” الإيراني.  


وتجري هذه الأنشطة، على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، الذي كثيرا ما يكتفي بالتنديد، في حين تتكرر عمليات ضبط السفن، المحمّلة بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهي في طريقها إلى الجماعة.  

وهنا يبرز سؤال جوهري، عن كيفية تجاوز إيران لكل هذه القيود، لتنجح في دعم وتمويل ذراعها في اليمن بالعتاد العسكري؟ هذا ما ستحاول هذه المادة الإجابة عليه، عبر تفكيك مسارات التهريب، والحضور الإيراني رغم العقوبات المشددة.  

من بندر عباس إلى الحديدة.. خارطة تهريب السلاح الإيراني  
وغالباً ما تبدأ عمليات التهريب هذه، من موانئ إيرانية، مثل بندر عباس، وجاسك، لتنتقل الشحنات عبر البحر، إلى نقاط وسيطة، في إريتريا وجيبوتي والصومال، أو تُنقل مباشرة إلى السواحل اليمنية، عبر قوارب صيد صغيرة، تديرها شبكات تابعة لجماعة “الحوثي”.

كشفت تقارير محلية حديثة من ولاية بونتلاند شمال شرقي الصومال عن وجود قواعد عسكرية سرية تابعة لجماعة "الحوثي" في جبال جوليس بمحافظة سناج، في تطور أمني خطير يعكس تعمّق التعاون بين "الحوثيين" وحركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة".  

كشفت تقارير عن وجود قواعد عسكرية سرية تابعة لجماعة “الحوثي” في جبال جوليس بمحافظة سناج التي تنشط فيها حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”

وتعتمد إيران على تنويع المسارات، وتزوير المستندات، وتسجيل الشحنات كمواد تجارية، لتفادي التفتيش، كما يتم تغيير الحاويات ونقاط الإنزال عدة مرات، وذلك لتضليل أنظمة التتبع، حيث كشفت تقارير أمنية، أن بعض شحنات التهريب، تٌغير وجهتها عدة مرات قبل الوصول، الأمر الذي يفسر استمرار تدفق الأسلحة الإيرانية، رغم الحصار البحري.  

وبحسب تقرير منصة تعقّب الجرائم المنظمة وغسل الأموال (P.T.O.C)، فإن عمليات التهريب هذه، لا تمر فقط عبر قنوات تقليدية، بل تُستخدم فيها مستندات مزورة، ومسارات تجارية، تغطي على الشحنات، ما يجعل كشفها مهمة شبه مستحيلة.  

إشراف إيراني على شبكة التهريب  

وفي تصريح خاص لموقع “الحل نت”، يؤكد المحلل السياسي، عبد الستار الشميري، أن عمليات تهريب السلاح إلى جماعة “الحوثي”، تُدار عبر “هندسة فريدة من نوعها”، تقوم على شبكة مؤسسية واسعة، تُشرف عليها إيران، بمشاركة قيادات “حوثية”، وأخرى من القرن الإفريقي.  

ويشير الشميري، إلى أن “هناك 21 منفذاً فعالاً لتهريب الأسلحة، بمختلف أنواعها، بشكل يومي تقريباً، مما يعكس حجم التدفق الكبير الذي يفوق قدرة الرقابة الدولية على الضبط”.  

الشميري يوضح أيضا، بأن هذه الشبكة لا تقتصر فقط على تهريب السلاح، بل تشمل المخدرات والخمور، فيما يمكن اعتباره “اقتصاد حرب” تديره جماعة “الحوثي”، تقدر قيمته بملايين الدولارات، ويشارك فيه ما بين ألفين إلى ستة آلاف شخص، تحت إشراف إيراني مباشر.  

ويضيف “منذ العام 2006 بدأت ملامح التهريب الإيراني إلى اليمن، لكنها تسارعت وتطورت بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء في 2014”.  

ويختتم الخبير اليمني، بالتأكيد على أن التواجد الدولي في البحر، يركز على السفن الكبيرة، ويتجاهل آلاف القوارب الصغيرة، التي تُستخدم في التهريب تحت غطاء “قوارب صيد”، ما يسمح بمرور ما يقارب 95% من الشحنات إلى “الحوثي”، في ظل غياب فعلي لخفر السواحل اليمنية.  

ميناء الحديدة.. منصة لتسليح “الحوثي”  

وتحوّل ميناء الحديدة، إلى مركز رئيسي لاستقبال شحنات الأسلحة القادمة من إيران، رغم إدراجه في اتفاقات تهدئة دولية، في تحدٍ صارخ لقرارات مجلس الأمن، واتفاق ستوكهولم، في حين يفترض أن يكون منفذاً إنسانياً لاستيراد الغذاء والدواء، لملايين اليمنيين.

وحتى الآن، لم يتخذ المجتمع الدولي، الذي يراقب الميناء، أي خطوات جادة لوقف هذا الانتهاك، ما جعل من مدينة الحديدة، نقطة ضعف أمنية إقليمية، يستغلها “الحوثي” لاستقبال الأسلحة الإيرانية.  

دعم عسكري متطور لجماعة “الحوثي”  

في ذات السياق، يؤكد المحلل العسكري، ياسر صالح، في تصريح خاص لموقع “الحل نت”، بأن جماعة “الحوثي”، باتت تملك ترسانة متطورة، تشمل صواريخ موجهة مضادة للسفن، قوارب مفخخة، وزوارق “سِرَاج” المسيّرة، وهي عالية السرعة، وتُستخدم في الهجمات البحرية.  

ويشير صالح إلى أن جماعة “الحوثي”، حصلت على صواريخ “أرض _ بحر”، تُطلق من اليابسة، نحو أهداف بحرية، وهو تطور كبير في قدراتهم العسكرية، موضحاً أن إيران ركزت منذ 2021، على تطوير القوة البحرية للجماعة.  

ويكشف الخبير اليمني بأن التصنيع العسكري داخل اليمن، بات قائماً بالفعل، بإشراف خبراء إيرانيين، بينما تستمر عمليات تهريب المكونات الحساسة من الخارج، مثل محركات الصواريخ، والرؤوس المتفجرة.  

قوارب الصيد تخفي الموت.. وعجز دولي وتواطؤ إقليمي  
ويلعب الصيادون اليمنيون مع الجانب الإرتيري دور الوسطاء، في نقل شحنات الأسلحة، فيما تضمن قوات “الحوثي” المحلية في الحديدة، تأمين الطرق البحرية، وصولاً إلى الجماعة.

هذه الشبكات المتداخلة، تشير بما لا يدع مجالا للشك، إلى وجود بعد إقليمي متسع، يربط بين التهريب البحري والتغطية السياسية، وهو ما يزيد من تعقيد مواجهة تهريب الأسلحة.  

من جانبه، يؤكد العقيد وضاح الدبيش، المتحدث باسم القوات المشتركة بالساحل الغربي، في تصريح لـ”الحل نت”، أن السفن غالباً ما تكون محملة ببضائع تجارية عادية، لكن يتم حشوها سراً بقطع الصواريخ والمتفجرات، ومكونات التصنيع العسكري، بطريقة محكمة يصعب اكتشافها.  

ومنذ العام 2023 وحتى منتصف 2025، تمكّنت القوات المشتركة، من ضبط عدد من الشحنات النوعية قبالة سواحل المخا، والبحر الأحمر، والبحر العربي، والتي احتوت على صواريخ حرارية إيرانية، قطع طائرات مسيّرة، مواد لتصنيع المتفجرات، وأجهزة تفجير عن بعد، بحسب الدبيش.

ويوضح المسؤول اليمني، أن عام 2024 وحده، شهد ضبط سبع شحنات خطيرة للغاية، من بينها قاربين محمّلين بألغام بحرية متطورة، أجهزة إلكترونية، وأسلحة قنص، كما تم احتجاز أفراد من جنسيات مختلفة، من بينهم إيرانيون، وعناصر على ارتباط مباشر بـ”الحرس الثوري” الإيراني.  

الدبيش يشير إلى أن مواجهة هذا الخطر، يتطلب تعزيز التنسيق بين القوات المشتركة، وقوات التحالف العربي، والقوات الدولية، إلى جانب تكثيف استهداف شبكات التهريب المحلية، التي تشكل العمود الفقري لهذه العمليات. 

من يوقف التهريب؟  

ويظل تهريب الأسلحة الإيرانية إلى جماعة “الحوثي”، عبر شبكات معقدة ومفتوحة، تهديد مباشر ليس على اليمنيين وحسب، بل ويهدد أمن المنطقة برمتها، إذ أن الصمت الدولي والتهاون في مواجهة هذه التهديدات، ضاعف من نفوذ الجماعة، كذراع إيرانية في البحر.


ولذلك، فإن التحدي الحقيقي يكمن حاليا، في تضافر الجهود الإقليمية والدولية لقطع مسارات التهريب، وفرض رقابة صارمة على الموانئ والممرات البحرية، إلى جانب دعم الحكومة اليمنية، في استعادة سيطرتها على الموانئ الحيوية. 

وما لم يتم حسم ملف ميناء الحديدة، وقطع شرايين التهريب عبر البحر، في الوقت الراهن، ستظل جماعة “الحوثي” قادرة على الاستمرار في الحرب، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال