فتحي أبو النصر بديل
يبرز الشيخ عبدالسلام أحمد عبد الله الدهبلي كواحد من أولئك القلائل الذين يشبهون الأرض التي أنجبتهم: ثابتون، صادقون، وعصيون على الانكسار.
فمن قبة البرلمان اليمني ممثلا عن الدائرة (43) في محافظة تعز، ( ماوية )إلى ميادين السياسة والمصالحة والمواجهة، ظل الدهبلي صوتا وطنيا لا يتلعثم، وموقفا لا ينكسر.
بل لم يكن مجرد عضو ديناميكي مؤثر في مجلس النواب ضمن كتلة المؤتمر الشعبي العام، قدر ما كان يمثل ذاتية خاصة بالولاء لتراب اليمن، ولسانا ناطقا بالحقيقة في وقت كثر فيه الصمت وتوارى الشجعان.
وما يميز هذا الرجل ليس فقط حضوره السياسي، بل تلك الكيمياء النادرة التي تجمع بين الشجاعة والاتزان، بين الصراحة والحكمة،و بين الحزم والرحمة.
رأيناه في عز الأزمة، عندما أراد البعض لليمن أن يغرق في الفوضى، يمد يده للسلام، ويصر على التوافق، لا من باب الضعف، بل من عمق إدراكه أن الوطن لا يُبنى إلا بالشراكة لا بالإقصاء.
طبعا محاولة اغتياله عام 2014 لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت جرس إنذار يُنبه إلى أن الأصوات الحرة تزعج، وأن الرجال الذين يحملون مشروعا وطنيا يدفعون الثمن غاليا.
لكن النجاة من الموت لم تكن نهاية القصة، بل بداية فصل جديد من الإصرار والمواجهة والالتصاق أكثر بقضايا الناس.
والدهبلي اليوم، رئيس فرع المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في تعز، لا يمثل حزبا فقط، بل يُجسد وجدان مدينة مثقلة بالجراح، تشتاق إلى قيادة تشبهها، تحبها وتخدمها دون ادعاء .
والشاهد أن تعز ترى فيه صديقا للسلام، وخصما شريفا للصراع حين يفرضه الواجب.
في حين أن ما يلفت الانتباه أكثر في شخصية هذا الشيخ، هو تواضعه الإنساني وابتسامته التي تُخفي خلفها صلابة نادرة. فهو من أولئك الذين يُجيدون الحديث في قاعات البرلمان كما يُجيدون الإصغاء لصوت امرأة مسنة أو طفل في حارة مهمشة.
أي أن صدقه مع ذاته، ونقده الصريح لأداء النخبة، يجعلان منه حالة نادرة في المشهد السياسي اليمني.
وفي لحظة من التأمل، وحين يُخيل إلينا أن الرجولة السياسية قد انقرضت، يطل علينا الشيخ عبدالسلام الدهبلي كحكاية تثير الاهتمام. فهو ليس مجرد اسم في سجل البرلمانيين، بل هو ذاكرةٌ حية لكرامة اليمنيين.
و حين يشتد الضباب، يُشعل فينا قنديل البصيرة، ويعلمنا أن الوطن لا يباع، وأن الكرامة لا تُساوم.
و هو ذاك الصوت الذي يقول "لا" حين تُشتَرَى المواقف، و"نعم" حين تكون الكلمة طوق نجاة لليمن. فقد لمسناه في ميدان، في موقف، في ابتسامة رجل واجه الموت وابتسم للحياة، لا لنفسه، بل لأجل اليمن.
كذلك هو رجلٌ لا يتكرر، لأنه ببساطة، لا يعيش لذاته، بل لوطن يستحق أن يُعاش من أجله.
وبما أننا في زمن التحولات القاسية، نحن بحاجة إلى رجال يُعيدون تعريف الوطنية، لا عبر الشعارات، بل عبر العمل الصادق والوفاء الدائم.
وازعم أن الشيخ عبدالسلام الدهبلي هو أحد أولئك القلائل الذين يمكن أن نقول عنهم بثقة: هذا رجلٌ من أجل تعز ، لا تعزي من أجل رجل.!
ثم إنه هو مختلف في زمن الاصطفاف، صريح لا يجامل، منصف لا يتحامل.
وحين قال إن الإصلاح والمؤتمر تقاسما السلطة، أوجع كثيرين، فقامت القيامة عليه، لا لأنه أخطأ، بل لأنه قال الحقيقة.
ورغم نقده، يرى في الإصلاح حزبا جمهوريا أصيلا، وحد قوله لا يمكن شطبه من المعادلة الوطنية.
على إنه بذلك يمثل حالة سياسية فريدة لا تنتمي للقطيع.
فيما أتذكره الآن، في عز ما تعانيه تعز من انقسام وتشظٍ، فأراه الأنسب لقيادة المشهد المحلي.
ذلك لأن عبدالسلام الدهبلي لا يعيش على الخصومة السياسية، بل يصنع من الخلاف مساحة كبيرة للتفاهم. وإذ يمتلك كاريزما التوفيق وحكمة إدارة التعقيد، يعرف كيف يوازن بين الولاء للجمهورية ومتطلبات الواقع.!
التصنيف :
كتابات واراء