إنقاذ الريال مرهون بإسقاط الفساد... فالقوانين بلا إرادة سياسية لا قيمة لها


د. علي العسلي

الأزمة الاقتصادية التي يعيشها اليمن اليوم ليست نتيجة الحرب وحدها، بل هي أيضًا ثمرة مباشرة لفساد مستشري أنهك مؤسسات الدولة وأفقد الريال قيمته. كلما تراكمت الثروات المنهوبة في جيوب قلة متنفذة، ازداد المواطن فقرًا وضاقت عليه سبل العيش.

أعلنت الحكومة عن إصلاحات مالية ونقدية بدأت تلمس أثرها على الريال والأسعار، لكن التحسن الحقيقي يبدأ عندما تُمحى الحصانات ويُحاسب كبار الفاسدين قبل الصغار. قانون مكافحة الفساد موجود لتحقيق ذلك، لكن الإرادة السياسية لتطبيقه على الجميع بلا استثناء ما تزال غائبة. استئصال الفساد ومحاسبة المتسببين فيه ليس خيارًا بل ضرورة وطنية.

قانون مكافحة الفساد رقم (39) لسنة 2006م يمنح الدولة الأدوات الكافية لملاحقة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة، لكن التطبيق لا يزال بعيد المنال ما لم تفعل الجهات الضبطية والقضائية والتنفيذية دورها بجدية. الكل يدرك ويتابع أن بعض المسؤولين يستغلون مواقعهم لخدمة مشاريع ضيقة، معتبرين مناصبهم غنيمة النزاع القائم، الأمر الذي يفاقم الأزمة ويقوّض ثقة الداخل والخارج بالسلطة الشرعية.

كل وظيفة تُمنح، وكل مورد يُنهب، وكل عقد يُبرم على أساس المحاصصة بدل المنافسة العادلة، يضعف العملة ويهز الثقة الدولية بالشرعية. لا سبيل لإقناع المانحين أو استعادة ثقة الأسواق إلا بخطوات حاسمة وواضحة تطال الفاسدين بلا استثناء. تفعيل الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، إنشاء محاكم متخصصة، إلزام المسؤولين بالإفصاح عن ذممهم المالية، وربط أي دعم خارجي بخطط شفافة، كلها خطوات عاجلة يجب أن تتصدر الإصلاحات الجارية. إشراك المجتمع المدني ووسائل الإعلام في الرقابة وحماية المبلغين يشكل ضمانة إضافية ضد الفساد.

باختصار، لن ينهض الريال إلا إذا حوسب الفاسدون الذين أسقطوه. المعركة الاقتصادية ليست أرقامًا وإجراءات فقط، بل هي معركة نزاهة وعدالة. الإصلاح بلا محاسبة سيظل مجرد شعارات تتبخر في هواء الفساد، ولن تستعيد العملة الوطنية عافيتها إلا عندما يختفي الفساد من مؤسسات الدولة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال