فساد المولد النبوي في اليمن.. حين تتحول البدعة إلى موسم للنهب وتزييف العقيدة.


محمد أبو راس

في اليمن، حيث يئن الشعب تحت وطأة الجوع، وتغيب الرواتب، وتُطفأ أنوار المؤسسات، تُشعل مليشيا الحوثي أضواء الاحتفال بالمولد النبوي، لا حبًا في النبي محمد ﷺ، بل طمعًا في المال، واستعراضًا للسلطة، وتكريسًا لخرافة فاطمية فارسية، ما أنزل الله بها من سلطان.

منذ أن اخترع الفاطميون هذه البدعة في القرن الرابع الهجري، بتوجيه من التنظيم القومي الفارسي الزرادشتي، تحولت المناسبة من ذكرى روحية إلى فعالية سياسية، تُستخدم لاختراق الإسلام عقائديًا، وترويج سلالة مزعومة تنتسب زورًا إلى خاتم الأنبياء والمرسلين.

نهب منظم تحت غطاء ديني
في صنعاء وإب، حيث تسيطر المليشيا الحوثية، تُفرض مبالغ مالية على كل مؤسسة عامة، دون استثناء. لا يُطلب الدعم، بل يُنتزع بالإكراه، ويُسلّم لمشرف الجماعة واللجان المنظمة، التي تُدير هذه البدعة كما تُدار شركات الاستثمار، بل وأكثر جشعًا.
عقال الحارات يُجبرون على دفع عشرات الآلاف، والتجار يُنهبون تحت التهديد، حتى تصل الجبايات إلى أرقام خيالية. أحد التجار في إب دفع خمسين ألف ريال، لا لشيء سوى أن لا يُتهم بالعداء للنبي، وهو المحب له، لكنه عاجز عن مواجهة آلة الابتزاز الحوثية.

اللجان المنظمة: ثراء فاحش على حساب الشعب

اللجان المنظمة للمولد النبوي تُقسم بحسب درجات الولاء، وكل عضو يتقاضى مبلغًا يتناسب مع رتبته. القيادات الحوثية تحصل على ملايين الريالات، تُصرف على القات، الفواكه، المصروفات اليومية، والولائم، بينما أصغر منظم لا يقل نصيبه عن عشرة آلاف ريال، إضافة إلى "شماط قات" يومي، ومخصصات أخرى تُغدق عليه وكأنه في مهرجان ملكي.

هذه الأموال، لو وُجهت لدفع رواتب موظفي اليمن، لكفتهم لأشهر. لكنها تُهدر في تمويل خرافة، وإثراء قادة لم يشبعوا، ولن يشبعوا، إلا إذا دفنوا تحت التراب.

اللون الأخضر: رمزية فارسية تُعاد بعثها

المليشيا تهدر تلك الأموال العامة والخاصة في الشكليات، فتغرق المدن في اللون الأخضر، تزيّن المركبات، البيوت، المؤسسات، وحتى المساجد. لكن الأخضر هنا ليس لونًا للسلام، بل هو اللون الذي كانت عليه *راية فارس الكبرى الهالكة *، تلك الراية التي سقطت في معركة القادسية تحت أقدام المسلمين العرب، حين أطاحوا بالإمبراطورية المجوسية إلى غير رجعة.

اليوم، يُعاد بعث تلك الراية، لا في ساحات القتال، بل في شوارع اليمن، تحت غطاء ديني مزيف، يُراد منه إحياء مشروع فارسي قديم بثوب يمني مغشوش.

جرائم لا تسقط بالتقادم
الأموال الطائلة التي تقبضها مليشيا الحوثي من المؤسسات الإيرادية، تُسجل وتُوثق. المواطنون والتجار يحتفظون بكل إيصال، وكل تهديد، وكل مبلغ دُفع بالإكراه. ولن يتنازل أحد عن ريال واحد، فالمحاسبة قادمة، ومحاكم الشعب لن ترحم من نهب قوت الفقراء باسم الدين.

خرافة تنتحل النسب وتخالف القرآن

في نهاية المطاف، المولد النبوي في اليمن ليس سوى محاولة لفرض خرافة دينية، تُستخدم لتثبيت سلطات مليشيا الحوثي، وإيهام الناس أن عبدالملك الحوثي هو ابن رسول الله، بما يخالف صريح القرآن الكريم الذي يقول:  "ما كان محمد أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين" [الأحزاب: 40].

فالنبي محمد ﷺ لم يترك أبناء ذكورًا، ولم يورث نسبًا سلطويًا، ولم يُوصِ بخلافة سلالية. وأهل بيته، كما ورد في القرآن، هنّ نساؤه الطاهرات، لا من يدّعي الانتساب الجيني إليه زورًا.
خرافة بلا روح
المولد النبوي، كما يُحتفل به في مناطق الحوثيين، يخلو من أي جانب روحي أو وجداني. المسلم البسيط، المحب للنبي، يحضر الفعالية على أمل أن يجد فيها نورًا، فيُفاجأ بخطابات سياسية، وحشود مصورة، وكلمات تخدم شخوصًا سلاليين، لا علاقة لهم برسالة محمد ﷺ.

يعود ذلك المواطن الغلبان إلى بيته، لا يحمل في جيبه ما يسد رمق جوعه، بينما تعيش المليشيا حياة البذخ، وتُراكم الثروات، وتُهدد من يعارضها بالقتل، كما فعل أحد قادة اللجان المنظمة حين صرّح علنًا أن من يقول إن المولد بدعة "يُباح دمه".

الحقيقة التي لا تُطمس

فساد المولد النبوي في اليمن ليس جديدًا، بل هو امتداد لبدعة اخترعها الفاطميون، مضمونها خرافي، مليء بالدجل والكهانة، والادعاء بالانتساب السلالي للرسول الأعظم. والأسوأ أن توقيت الاحتفالية يتزامن مع يوم وفاته، لا مولده، ولم يحتفل بها أحد من الصحابة أو التابعين أو علماء الأمة حتى القرن الرابع عشر.

ولهذا، فإن المولد النبوي في اليمن لم يكن يومًا مناسبة روحية، بل موسمًا لنهب الأموال، وإثراء القادة، وتجويع الشعب.

 وسيبقى كذلك، ما لم تُستعاد الحقيقة، ويُفصل الدين عن الطمع، وتُطهّر العقيدة من شوائب السياسة والسلالة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال