مكافحة غسل الأموال… القانون المهمل في معركة استعادة الريال اليمني



د. علي العسلي

منذ انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014، لم تقتصر ممارساتهم على الانقضاض على مؤسسات الدولة ونهب المال العام، بل تعدت ذلك إلى بناء اقتصاد موازٍ قائم على غسل الأموال وتمويل الإرهاب. هذه الممارسات ليست مجرد مخالفات مالية، بل جريمة كبرى ضد الريال اليمني وضد الشعب اليمني بأسره.

إن قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، الصادر بالقرار الجمهوري بالقانون رقم (35) لسنة 2003، والمعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2010، ثم بالتعديلات اللاحقة في 2013، يمثل أداة قانونية حاسمة لحماية الاقتصاد الوطني، وتعزيز استقرار العملة، وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية. إلا أن هذا السلاح القانوني المهم ظل معطلاً، في الوقت الذي تتواصل فيه الجرائم المالية التي تقوّض السيادة الاقتصادية وتعمّق معاناة المواطنين.

غسل الأموال: جريمة ضد الريال والشعب

يُجرِّم القانون اليمني غسل الأموال بشكل واضح وصريح. فالمادة (3) من القانون تنص على أن أي عملية تشمل “اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها بقصد إخفاء مصدرها” تُعتبر جريمة يعاقب عليها القانون. وتشمل الأموال غير المشروعة الناتجة عن جرائم مثل: السرقة، الاختلاس، التهريب، الاتجار بالأسلحة والمخدرات.

غسل الأموال ليس مجرد عملية مالية، بل هو أداة لتبييض الجرائم الكبرى، وعلى رأسها تمويل الإرهاب، الذي يعصف بالاقتصاد ويقوض استقرار الريال اليمني.

الطريقة الحوثية في غسل الأموال

منذ سيطرتهم على صنعاء، اتخذ الحوثيون أساليب متعددة في غسل الأموال وتمويل حربهم، من أبرزها:

• الاستيلاء على الموارد العامة: عبر نهب الضرائب والجمارك والزكاة وتحويلها بعيدًا عن البنك المركزي.

• تزييف العملة: عبر طباعة كميات هائلة من النقد بلا غطاء قانوني أو اقتصادي.

• التهريب التجاري: للوقود والسلاح والمخدرات عبر المنافذ غير الشرعية التي حولوها إلى ممرات مالية مشبوهة.

• الاستثمارات الوهمية: باستخدام شركات صرافة وعقارات كواجهات لغسل الأموال وتمويل عملياتهم الحربية.

العقوبات القانونية

القانون اليمني واضح في تشديد العقوبات على هذه الجرائم، ومن أبرزها:

- السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات لكل من يُدان بغسل الأموال.

- مصادرة الأموال المشبوهة لصالح خزينة الدولة.

- إلغاء تراخيص المؤسسات المالية المتورطة.

- عقوبات تصل إلى السجن والغرامة ضد المؤسسات التي تتجاهل الإبلاغ عن العمليات المشبوهة.

لكن في مناطق سيطرة الحوثيين، تحولت البنوك وشركات الصرافة إلى أدوات تخدم اقتصادًا موازيًا يغذي الحرب والإرهاب، في ظل غياب أي رقابة فعلية.

القصور في التطبيق

رغم وضوح النصوص القانونية، يظل القانون معطلاً إلى حد كبير. الجماعة الحوثية تواصل غسل الأموال دون رادع، فيما تكافح الحكومة الشرعية لإنقاذ الريال بإجراءات نقدية ومالية محدودة. هذا التقصير حرم اليمن من أداة ردع قوية، وأضعف الموقف الرسمي أمام المجتمع الدولي، الذي لا يزال يتعامل مع الأزمة المالية كقضية إنسانية فقط، متجاهلاً بعدها القانوني والإرهابي.

كيف يمكن استعادة الريال؟

لتفعيل القانون وتحويله إلى سلاح حقيقي، ينبغي:

1. تجميد ومصادرة الأموال: عبر قرارات من النائب العام بحق الحسابات المشبوهة في الداخل والخارج.

2. تجفيف منابع تمويل الحوثيين: من خلال التطبيق الصارم للمواد (3/أ/3، 3/أ/5، 3/أ/6، 3/أ/7) من قانون مكافحة غسل الأموال، التي تُجرِّم التهريب الجمركي، وتزييف العملات، والاتجار غير المشروع بالأسلحة، وزراعة المخدرات، وصناعة الخمور.

3. تشديد الرقابة على البنوك: بإلزام المؤسسات المالية بالتدقيق والإبلاغ عن أي عملية مشبوهة.

4. تفعيل لجنة مكافحة غسل الأموال: تحت إشراف الحكومة الشرعية، وإصدار تقارير دورية لزيادة الشفافية.

5. تعزيز التعاون الدولي: في مجال تتبع الأموال، تجميد الأرصدة، وتسليم المتورطين بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب.


حرب مالية لاستعادة السيادة

معركة استعادة الريال ليست مجرد مسألة نقدية، بل هي حرب قانونية وأمنية. القانون ليس نصًا جامدًا، بل سلاح يمكن أن يحاصر اقتصاد الحوثيين الموازي ويعيد للدولة جزءًا من هيبتها. تفعيل هذا القانون هو الطريق الأقصر لاستعادة الثقة بالعملة الوطنية وتجفيف منابع الإرهاب.

الرسالة إلى الحكومة الشرعية والمجتمع الدولي

لضمان النجاح في هذه المعركة:

• يجب تفعيل لجنة مكافحة غسل الأموال ووحدة جمع المعلومات المالية في عدن.

• ملاحقة الحوثيين كمنظمة ممولة للإرهاب محليًا ودوليًا.

• بناء تحالف دولي لإغلاق قنوات تمويلهم المشبوهة.

أسئلة ملحّة

• كيف يمكن للريال أن يستقر في ظل التزوير المستمر للعملة واحتكار الحوثيين للمصادر الاقتصادية؟

• هل يمكن للمجتمع الدولي أن يواصل تجاهل هذه الجرائم؟

• أليس من حق الشعب اليمني أن يرى القانون يُطبق بحق من ينهب أمواله ويقتل أبناءه؟

ماذا يمكن للمواطن أن يفعل؟

• الإبلاغ عن أي عملية مالية مشبوهة إلى السلطات المختصة.

• تجنب التعامل مع الصرافات غير الرسمية.

• تذكّر أن كل ريال يُغسل قد يتحول إلى رصاصة تقتل اليمنيين أو يزيد من معاناتهم.

ختامًا، 

غسل الأموال الحوثي ليس مجرد جريمة مالية، بل هو تمويل مباشر للإرهاب. إن الأموال المنهوبة تتحول إلى سلاح يوجه إلى صدور اليمنيين. وفي معركة استعادة الريال، لا يكفي الإصلاح النقدي وحده، بل يجب أن يترافق مع تفعيل القانون الوطني لمكافحة غسل الأموال، باعتباره خط الدفاع الأول عن الاقتصاد والسيادة الوطنية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال