د./ مساعد الحريري
رحيل الأستاذة افتهان المشهري ليس حادثاً عابراً ولا جريمة عادية يمكن أن تُختزل في اسم قاتل أو شخص واحد ضغط على الزناد.
ما حدث هو اغتيال لرمز إصلاح ونموذج نادر في زمنٍ غرق في الفساد.
هذه المرأة جاءت لتثبت أن النزاهة والعمل الحقيقي قادران على تغيير الواقع، وأن المال العام يمكن أن يعود لمكانه الصحيح حين تتوفر الإرادة.
لم تشترِ صمت النافذين ولم تقبل بالمساومات التي كانت تُمارس منذ سنوات طويلة داخل مؤسسات الدولة، بل وضعت قواعد جديدة أساسها الشفافية وخدمة المواطن.
واجهت التهديدات، اقتحام المكاتب، محاولات الابتزاز، وكل أدوات الترهيب. لكنها اختارت أن تصمد وتستمر، ظنًا منها أن دولة ما زالت قائمة يمكن أن تحمي من يعمل بإخلاص.
لكن الحقيقة أن غياب الدولة هو ما فتح الطريق أمام رصاص الغدر ليصيبها.
اغتيالها ليس استهدافاً لشخصها فحسب، بل رسالة لكل شريف يحاول أن يوقف نزيف الفساد. القاتل المباشر ليس سوى ستار، بينما المجرم الحقيقي هو منظومة مترابطة من المنتفعين والنافذين الذين أرعبهم أن تقف امرأة وحيدة في وجوههم وتكسر عاداتهم في العبث بالمال العام.
العدالة لن تتحقق بمشهد اعتقال فرد، بل بمحاسبة الشبكة الكاملة التي خططت وسهلت وتواطأت بالصمت. إن لم يُكشف المستور، فسيبقى دم افتهان صرخة في وجهنا جميعاً: أي مستقبل نريده، دولة مؤسسات أم غابة يسيطر عليها الفساد؟
التصنيف :
كتابات واراء