في الـ14 من أكتوبر عام 1963، دوّى في جبال ردفان صوت الرصاص الأول معلناً ميلاد ثورة جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على عدن وأجزاء واسعة من جنوب اليمن لأكثر من 129 عاماً، وتتويجاً لمسار طويل من المقاومة والتضحيات التي قدمها أبناء الشعب من الجنسين من أجل كرامتهم وحريتهم.
يؤكد سياسيون ومراقبون أن ثورة 14 أكتوبر جاءت كثمرة لنضال متراكم خاضه أبناء المحافظات الجنوبية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حين تصاعد الوعي الوطني ضد الوجود الاستعماري البريطاني الذي سعى إلى تمزيق المجتمع اليمني عبر سياسة “السلطنات والمشيخات”.
وأوضحوا في مجمل حديثهم لوكالة "خبر"، أنه مع كل عقد من الزمان، كانت تنضج في وجدان اليمنيين فكرة التحرر، حتى تفجرت الثورة المسلحة في ردفان بقيادة الثائر البطل راجح بن غالب لبوزة ورفاقه، لتصبح الشرارة التي أطلقت لهيب الكفاح الوطني في عموم الجنوب.
ولم تكن هذه الثورة معزولة عن امتدادها الوطني في الشمال، إذ حملت في جوهرها الهم اليمني الواحد والمصير المشترك.
فبحسب المراقبين للمشهد الثوري والنضالي في اليمن، قبل ثورة 14 أكتوبر بعام واحد فقط، كانت ثورة 26 سبتمبر 1962 في شمال اليمن قد أطاحت بالحكم الإمامي المتخلف، وأعلنت ميلاد الجمهورية، وهو ما منح الثوار في الجنوب دفعة معنوية كبيرة، وأملاً في أن يتحرر اليمن كله من الاستبداد والاستعمار معاً.
وحدة الهدف والمصير
لقد شكلت العلاقة بين الثورتين — سبتمبر وأكتوبر — وحدةً في الهدف والمصير، حيث اتحدت مشاعر اليمنيين شمالاً وجنوباً خلف حلم الحرية والوحدة الوطنية.
وبالفعل، لم يتأخر دعم الشمال لثورة الجنوب، إذ قدم الثوار في صنعاء والبيضاء وتعز السلاح والمؤن والمقاتلين، كما فتحت معسكرات التدريب أمام المناضلين الجنوبيين، في ترجمة حقيقية لعمق الترابط الثوري بين جناحي الوطن، وفقاً لمصادر تاريخية.
وتشير المصادر إلى أن الهم اليمني لم يكن في معزل عن العربي، حيث لعبت جمهورية مصر العربية بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر دوراً محورياً في دعم الثورة اليمنية بنسختيها الشمالية والجنوبية.
وذكرت أنه بعد أن وقفت القاهرة إلى جانب ثورة سبتمبر في الشمال، سارعت إلى مساندة نضال أبناء الجنوب ضد الاستعمار البريطاني، من خلال تقديم الدعم السياسي والعسكري والإعلامي، وإيواء القيادات الثورية في عدن ولحج وأبين.
كما شكّل الخطاب القومي لعبدالناصر رافداً فكرياً ألهم الثوار، ورسخ فيهم الإيمان بوحدة النضال العربي في مواجهة الاستعمار.
ولادة فجر جديد
لقد حملت ثورة 14 أكتوبر دلالات عميقة تتجاوز بعدها الجغرافي، حيث تؤكد المصادر والمراجع التاريخية أنها لم تكن مجرد نزوة شباب متحمس بل كانت ثورة هوية وكرامة ووعي ضد الاحتلال البريطاني الذي كرس وعزز الانقسامات داخل جنوب اليمن نفسه، عبّرت عن رفض الشعب للتجزئة والوصاية الأجنبية.
في الوقت نفسه، أسست لمسار وطني تحرري امتد حتى تحقيق الاستقلال الكامل في 30 نوفمبر 1967، حين رفرف علم الجمهورية فوق سماء عدن للمرة الأولى.
واليوم، وبعد أكثر من ستة عقود على اندلاعها، تبقى ثورة 14 أكتوبر رمزاً خالداً للتضحية والإصرار، ودليلاً على أن الشعوب، مهما طال ليلها، قادرة على انتزاع حريتها بدمائها وإرادتها.
في نفس الوقت كانت ثورتا سبتمبر وأكتوبر درساً متجدداً في معاني الصمود والوحدة والنضال، يذكّر اليمنيين دوماً بأن الحرية لم تُمنح، بل انتُزعت بثمن غالٍ دفعه الأجداد ليورثوه للأجيال القادمة، يستذكرهما اليوم اليمنيون أكثر من أي وقت مضى بفعل الانقلاب الحوثي الممتدة جذوره إلى الحكم الإمامي قبل ثورة 26 سبتمبر، ليزيدهم إصراراً على أن تضحيات وإصرار الشعب كفيلة بولادة فجر جديد
التصنيف :
تقارير