العدالة الدولية تفضح وجه الإبادة في غزة وتعري الاحتلال.



طلال أبوغزالة

بوضوح لا لبس فيه شكّل قرار المحكمة صفعة على وجه الكيان الصهيوني، الذي بنى رواياته – كما كان على مدار التاريخ- على الأكاذيب وغطّى جرائمه بشعارات الأمن والدفاع عن النفس.

 محكمة العدل الدولية قالت ما حاول كثيرون الالتفاف عليه، إن الاحتلال الذي يمنع الماء والغذاء والدواء عن المدنيين في غزة، يرتكب جريمة إبادة جماعية بدم بارد، والسؤال هنا بات سؤالاً أخلاقياً صارخاً كيف يمكن للعالم أن يصمت أمام من يحاصر شعباً حتى الجوع، ثم يتباكى على حقه في الوجود.

العدالة وحدها لا تُنقذ الأرواح إن لم تتبعها إرادة، وعلى العرب والعالم الحر أن يفهموا أن تجويع الفلسطينيين ليس حرباً على غزة، بل على فكرة الإنسان نفسها

لم تكن غزة في يوم ساحة حرب، بل اختبارا لإنسانية العالم، فهناك أكثر من مليوني مواطن يعيشون في ظلامٍ كامل، تحت الحصار والقصف والحرمان كل شيء فيهم يُستهدف الجسد، والذاكرة، والرغيف والماء والدواء، ورغم كل ذلك، خرج الكيان الوحشي لينسج سلسلة من الاباطيل حول وكالة الأونروا، آخر مؤسسة أممية تحاول إنقاذ ما تبقّى من حياة، وكأن من يطعم الجائع ويطبب الجريح صار خطراً على الاحتلال أكثر من السلاح.

حكم المحكمة دحض هذه الأكاذيب والخرافات تماماً فحين تطلب أعلى سلطة قضائية في العالم من الكيان أن يسمح بالحد الأدنى من مقوّمات البقاء، فهي لا تطالبه بالرأفة، بل تشير بوضوح إلى انتهاك أبسط قواعد القانون الإنساني. إن “دولة”، تحتاج إلى أمرٍ قضائي كي لا تقتل المدنيين جوعاً، لا يمكن وصفها إلا بما هي عليه: كيان استعماري عنصري، لا يؤمن إلا بمنطق القوة والدمار. أما المجتمع الدولي فهو الآن أمام لحظة الحقيقة، فإما أن يُطبّق ما حكمت به المحكمة، ويفرض إدخال المساعدات فوراً إلى غزة، من دون إذن من المحتل، وإما أن يكون شريكاً في الجريمة بصمته وبالتالي لا يعود أي معنى لأي حديث عن قيم إنسانية وحقوق، ما دام أطفال غزة يبحثون عن الماء بين الركام، لكن على الرغم من كل هذا، يبقى الفلسطيني منتصب القامة في قلب الجوع والظلام، يخبز أمله على نارٍ خافتة، يزرع شجرة، ويعلّم طفله الحروف الأولى من كلمة وطن وحرية ومقاومة الاحتلال، وهذا الصمود درس للعالم كله في الكرامة.

إذن قالت المحكمة كلمتها، لكن الفعل الحقيقي يبدأ الآن، فالعدالة وحدها لا تُنقذ الأرواح إن لم تتبعها إرادة، وعلى العرب والعالم الحر أن يفهموا أن تجويع الفلسطينيين ليس حرباً على غزة، بل على فكرة الإنسان نفسها وغزة، كما كانت دائماً، تذكّرنا بأن من يملك الحق لا يُهزم، مهما طال ليل المحتل.

*كاتب ورجل أعمال فلسطيني*

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال