معمربن مطهرالارياني.
وزيرالاعلام والثقافة والسياحة
بسماحها ببثّ دعاية الحوثيين عبر أقمارها الصناعية، تخون أوروبا القيم التي تدّعي الدفاع عنها، وتصبح متواطئة في نشر الكراهية المتطرفة.
في عصر تدّعي فيه الدول الديمقراطية الدفاع عن حقوق الإنسان ومكافحة التطرف العنيف، من المدهش والمقلق للغاية أن تستمر الأقمار الصناعية الأوروبية في بثّ دعاية جماعة مسلحة يصنّفها الكثيرون منظمة إرهابية.
من خلال قنوات مثل قناة المسيرة والقنوات التابعة لها، تبثّ جماعة الحوثي المسلحة المدعومة من إيران رسائل يومية تدعو إلى الكراهية والعنف والجهاد - تمجّد سفك الدماء، وتغرس أفكارًا متطرفة في عقول الأطفال، وتنشر العداء الطائفي في جميع أنحاء اليمن وخارجه.
من أكثر مظاهر هذا الخطاب إثارةً للقلق الشعار الذي يُعرّف أيديولوجية الحوثيين ويُملأ بثّهم الإعلامي: "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
هذا ليس شعارًا سياسيًا؛ إنه دعوة للكراهية، وتحريض مباشر على العنف ضد شعوب وأديان بأكملها.
إن تكرار هذا الشعار في الهتافات التلفزيونية، وبرامج الأطفال، والنشرات الإخبارية، يُحوّله إلى سلاح نفسي، يُطبّع الكراهية، ويُشرّع العنف، ويضمن انتقال التعصب من جيل إلى جيل.
المشكلة تتجاوز قناة واحدة.
تُشغّل حركة الحوثيين اليوم باقة فضائية كاملة على شبكة يوتلسات الأوروبية، والتي لا تشمل فقط قنواتها الدعائية الخاصة، بل تشمل أيضًا قنوات يمنية حكومية سابقة استولت عليها الجماعة بعد اقتحامها المنشآت الحكومية في صنعاء، مثل تلفزيون اليمن، وقناة سبأ، وقناة الإيمان.
هذه القنوات، التي لا تزال تبث باسم وشعار الجمهورية اليمنية الرسميين، تُستخدم كأدوات لفصيل مسلح تعتبره حكومات ومؤسسات عديدة، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا، غير شرعي.
بسماحها لهذه القنوات الحكومية المختطفة بمواصلة البث تحت سيطرة الحوثيين، لا تُسهّل يوتلسات الدعاية المتطرفة فحسب؛ بل تنتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتنظيم الإعلام، والسيادة الوطنية.
كل يوم تبقى فيه هذه القنوات على الهواء يعني المزيد من الأطفال الذين يتم تلقينهم أفكارًا متطرفة، والمزيد من الكراهية المزروعة، وجيلًا آخر ضائعًا في التطرف.
الضرر ليس نظريا؛ بل هو ملموس في الفصول الدراسية حيث يُعلّم الأطفال اليمنيون هتافات الموت بدلًا من تعلم العلوم، وفي المجتمعات التي يُستبدل فيها التعايش بالخوف والتعصب.
لقد اتخذت الحكومات الغربية إجراءات صارمة ضد التطرف على الإنترنت، فأغلقت مواقع إلكترونية، وجمّدت حسابات، وفرضت عقوبات على منصات تستضيف محتوى إرهابيًا.
ولكن عندما يُبث المحتوى نفسه على الأقمار الصناعية الأوروبية، يكون الصمت مطبقًا..
هذه الازدواجية في المعايير ليست حيادًا، بل تواطؤًا.
كما أنها تُقوّض المصداقية الأخلاقية لخطاب حقوق الإنسان الأوروبي وريادته في مكافحة التطرف العنيف.
في جوهره، يكمن الفشل الأخلاقي لأوروبا: فشلها في التمسك بالقيم التي تدّعي الدفاع عنها عند مواجهة دعاية متطرفة تُبثّ من أراضيها.
لم يعد بإمكان يوتلسات وهيئة تنظيم الاتصالات المرئية والمسموعة في فرنسا (ARCOM)، الاختباء وراء التفاصيل الشكلية أو الأعذار البيروقراطية.
تحظر القوانين الأوروبية والدولية صراحةً نشر المحتوى الذي يُحرّض على الكراهية أو العنف أو الإرهاب.
تتحمل فرنسا، بصفتها عضوًا مؤسسًا في الاتحاد الأوروبي ومهدًا للحرية والمساواة والإخاء، مسؤولية قانونية وأخلاقية للتحرك.
يجب عليها ضمان تطبيق ARCOM للوائحها وإلغاء أي تراخيص بث أو عقود للأقمار الصناعية تسمح للدعاية الحوثية بالوصول إلى ملايين المنازل حول العالم.
هذه ليست قضية يمنية فحسب.
ما يفعله الحوثيون ليس صحافةً؛ بل آلة دعاية إيرانية الصنع، وسلاحٌ نفسيٌّ يهدف إلى تدمير النسيج الاجتماعي اليمني وتسميم جيلٍ كامل.
كلما استمرت هذه القنوات في البث، ضاع المزيد من مستقبل اليمن.
إذا كان الغرب يدافع حقًا عن الحرية والسلام والكرامة الإنسانية، فعليه أن يلتزم بالمعايير نفسها التي يفرضها على الآخرين.
إن غض الطرف عن دعاية الحوثيين على الأقمار الصناعية الأوروبية ليس خطأ تقنيًا؛ بل هو استسلامٌ أخلاقي.
سيتذكر التاريخ الذين اختاروا غض الطرف.
التصنيف :
المحلية