نصح الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بضرورة "إبرام اتفاق" لإنهاء الحرب، في تصريحات لقناة "فوكس نيوز" عقب لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، معتبرًا أن الأمر بات "على عاتق زيلينسكي"، بعد أن أعطى تقييمًا للقمة بـ "عشرة من عشرة".
تصريحات متباينة بعد القمة
ظهر ترامب أمام الإعلام بخلفية تحمل شعار "السعي نحو السلام"، مؤكدًا: "حققنا بعض التقدم، لكن لا اتفاق حتى يكون هناك اتفاق".
بينما ألمح خلال مقابلة لاحقة مع قناة "فوكس نيوز" إلى مناقشات تتعلق بمقايضات أراضٍ وضمانات أمنية، مشيرًا إلى أنه "يقترب من اتفاق"، لكنه شدد أن "أوكرانيا يجب أن توافق، وربما ترفض".
وفي المقابل، حذّر بوتين كييف والعواصم الأوروبية من وضع "عقبات أو مكائد خفية" أمام أي تقدم في عملية السلام، فيما جاءت المحادثات في وقت أعلنت فيه موسكو تحقيق مكاسب ميدانية جديدة في جبهات القتال، في حين قالت أوكرانيا إنها استعادت عدة قرى.
القمة الأولى منذ الحرب
انتهت القمة الأولى بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين منذ اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية عام 2022، دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار أو تسوية النزاع.
ووُصف اللقاء الذي استمر نحو ثلاث ساعات في قاعدة عسكرية بألاسكا من الطرفين بأنه "منتج" و"خطوة إلى الأمام"، لكنه لم يسفر عن نتائج ملموسة، في وقت واصلت فيه الطائرات المسيّرة تبادل ضربات بين موسكو وكييف.
من جانبه تحدث بوتين عن ضرورة معالجة "الأسباب الجذرية" للصراع مثل توسع حلف الناتو ومطالب روسيا الأمنية، معتبرًا أن أي اتفاق طويل الأمد لن يتحقق إلا إذا تمت الاستجابة لمصالح موسكو.
في حين لم يشر بشكل مباشر إلى أي لقاء مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خلافًا لما ألمح إليه ترامب.
زيلينسكي خارج الصورة
لم يُدع الرئيس الأوكراني إلى القمة، وهو ما أثار استياء كييف ودول أوروبية تخوفت من إقدام ترامب على تجميد الصراع بشكل يكرّس السيطرة الروسية على أراضٍ أوكرانية.
وكتب زيلينسكي على "تليغرام" قبل القمة قائلًا إن "الخطوات اللازمة لإنهاء الحرب يجب أن تأتي من روسيا"، مضيفًا أن بلاده "تعوّل على أميركا" في ضمان سلام عادل.
في حين ركزت المخاوف الأوروبية على احتمال أن يفتح اللقاء الباب أمام تسوية غير متكافئة تعترف ضمنيًا بسيطرة موسكو على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية، وهو ما رفضه زيلينسكي علنًا بقوله إن كييف "لن تُسلّم مترًا واحدًا" من أراضيها.
مشاهد رمزية وأجواء شخصية
كان الاستقبال لافتًا بحفاوة استثنائية على مدرج قاعدة "إلمندورف–ريتشاردسون" الجوية، حيث صافح ترامب وبوتين بعضهما على السجادة الحمراء أمام عدسات الإعلام وسط تحليق مقاتلات أميركية في سماء ألاسكا.
ووصف ترامب علاقته ببوتين بأنها "رائعة"، فيما رد الرئيس الروسي بابتسامة قائلًا بالإنجليزية: "Next time in Moscow".
لكن هذا الدفء الشخصي لم يترجم إلى نتائج سياسية، فقد اكتفى الطرفان بتصريحات عامة، ورفضا الإجابة على أسئلة الصحافيين، ما اعتُبر إشارة إلى غياب اتفاقات محددة يمكن عرضها.
رد فعل الأسواق والمستثمرين
اعتبرت الأسواق المالية القمة حدثًا رمزيًا أكثر منه عمليًا، وأشار خبراء في قطاع الطاقة إلى أن غياب عقوبات جديدة على روسيا أو الصين يُعد خبرًا إيجابيًا قصير المدى، خصوصًا لأسواق النفط والغاز.
بينما قال محللون آخرون إن اللقاء يمثل "خطوة أولى" فقط، وأن أي اتفاق حقيقي قد يحتاج إلى قمة ثلاثية تجمع ترامب وبوتين وزيلينسكي خلال الأسابيع المقبلة.
ووصف بعض مديري الأصول الاجتماع بأنه "لا جديد فيه"، معتبرين أن الأسواق العالمية تركز على التضخم وسياسات البنوك المركزية أكثر من التركيز على الملف الأوكراني.
ورأى آخرون أن مجرد استمرار المحادثات يبقي باب الأمل مفتوحًا، ويخفف من مخاطر تصعيد اقتصادي بين واشنطن وموسكو.
سلسلة من التوترات
جاءت القمة بعد سلسلة من التوترات، منها تهديد ترامب الأخير بفرض رسوم جمركية مشددة على الهند، بسبب شرائها النفط الروسي، ووعوده الانتخابية السابقة بإنهاء الحرب "خلال 24 ساعة".
لكن نتائج الاجتماع أظهرت أن النزاع أعقد مما صوّره ترامب، لا سيما مع استمرار العمليات العسكرية الروسية، وتزايد الغارات الجوية المتبادلة في أثناء انعقاد القمة نفسها.
بينما على صعيد روسيا، فقد منحت القمة بوتين مكسبًا رمزيًا بعودته إلى المشهد الدبلوماسي العالمي، وأتاحت لترامب فرصة لتقديم نفسه كوسيط سلام محتمل، لكنها لم تغير واقع الحرب المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ولا يزال الطريق إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية طويلًا، ويعتمد بشكل أساسي على قبول أوكرانيا وأوروبا لأي ترتيبات قادمة، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
التصنيف :
الدولية