د. علي العسلي
في خطوة إيجابية، عقد دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك اجتماعًا تحضيريًا للمؤتمر الدولي للأمن الغذائي في اليمن، المزمع عقده في أكتوبر المقبل في العاصمة السعودية الرياض، برعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وقد سبقت هذه التحضيرات خطوات عملية ملموسة، كنتُ قد تناولتها في مقال سابق بعنوان: "حين تسبق الأفعال الكاميرات... قراءة في أداء حكومة بن بريك"، أشرت فيه إلى أنني قدّمت للرئاسة اليمنية قبل أكثر من عامين مسودة استراتيجية وطنية شاملة للأمن الغذائي، متكاملة من حيث البرامج والخطط التنفيذية، موزعة على أطر زمنية قصيرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل.
استراتيجية لم تُنفّذ... لكنها لم تفقد صلاحيتها!
الوثيقة التي أعددتُها لا تزال صالحة وملائمة أكثر من أي وقت مضى، بل ازدادت وجاهةً في ظل التدهور المستمر للأوضاع الغذائية. فقد قامت على تحليل جذري لمسببات انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في اليمن، وراعت خصوصياته الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، وهي تنسجم مضمونًا وروحًا مع التوجيهات الحكومية الأخيرة. ومن هنا، فإن العودة إليها خيار وطني حكيم بدلًا من البدء من الصفر.
العمل التراكمي لا يبدأ من الصفر!
أليس من الحكمة أن تبدأ الوزارات والجهات المعنية من حيث انتهينا؟
أليس من الأجدى أن تُبنى الاستراتيجيات الوطنية على تراكم الجهود لا على قطيعتها؟
لقد سلّمتُ هذه الوثيقة إلى مكتب رئاسة الجمهورية، وعرضتُها شخصيًا أمام الرئيس، ونالت حينها تقديرًا ملحوظًا. لكنها وُضعت جانبًا، كما يحدث للأسف مع كثير من الرؤى الوطنية الطموحة، بانتظار ما يُسمى بـ"اللحظة السياسية المناسبة".
ولعل مؤتمر الرياض... هو تلك اللحظة!
اليوم، ومع التوجيه الحكومي بإعداد أوراق وطنية وعلمية للمؤتمر الخليجي، أجد أنه من واجبي — العلمي والوطني والأخلاقي — أن أعيد طرح هذه المسودة. فهي ليست مجرد اجتهاد نظري، بل نتاج دراسة معمقة وتجربة ميدانية، أُعدّت بناءً على فهم دقيق لتعقيدات الواقع اليمني واحتياجاته الحيوية.
ما الذي يُميز هذه الاستراتيجية؟
1. الشمولية: تناولت الأبعاد الإنتاجية، والتسويقية، والتمويلية، والتكامل الإقليمي، والحوكمة، والبيئة، والموارد، إلى جانب التشريعات والحملات التوعوية.
2. التكامل مع السياسات القطاعية: فهي لا تتعارض مع الاستراتيجيات القطاعية القائمة، بل تسعى إلى دمجها وتعزيز التكامل فيما بينها، بما يضمن الاستدامة ويزيد الفاعلية.
3. قابلية عالية للتنفيذ: اقترحت إنشاء لجنة وطنية عليا للأمن الغذائي تتبع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة معًا، لتكون جهة تنسيق وإشراف، تعمل على ضمان استمرارية التنفيذ، وتيسير التعاون بين الوزارات والجهات المعنية والشركاء الدوليين.
مطالب واضحة قبيل المؤتمر
من هذا المنبر، أوجّه دعوة صادقة إلى الحكومة، وتحديدًا إلى دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك، بأن يتم اعتماد هذه الوثيقة كمسودة للنقاشات، أو كورقة رسمية باسم الجمهورية اليمنية في مؤتمر الرياض، أو على الأقل إدراجها كورقة علمية باسم معدّها.
فهي ليست تصورًا نظريًا، بل خطة وطنية واقعية نابعة من صلب الأزمة اليمنية، وتهدف لحماية أعز ما تملكه المجتمعات: الحق في الغذاء.
لأن الجوع لا ينتظر...
بناء استراتيجية وطنية شاملة وفعّالة للأمن الغذائي لم يعد ترفًا فكريًا، ولا خيارًا مؤجلًا، بل أصبح ضرورة بقاء.
فبلدُنا اليوم يواجه كارثة إنسانية يعيش فيها ملايين من أطفاله ونسائه على حافة المجاعة، وسط ظروف اقتصادية وبيئية واجتماعية بالغة التعقيد.
نداء من أجل التفعيل لا الأرشفة!
في الختام، أضع هذه الوثيقة مجددًا بين يدي دولة رئيس مجلس الوزراء الأستاذ سالم بن بريك، على أمل أن تكون ضمن أوراق اليمن الرسمية في مؤتمر الرياض الخليجي، أو نقطة انطلاق لبناء رؤية يمنية موحدة وشاملة، تحفظ الحق الأول في الحياة: الغذاء، وتحوّل الأقوال إلى أفعال... قبل أن يُصبح الوقت متأخرًا جدًا.
ملحقات...
أهداف مرحلية قابلة للتنفيذ
أولًا: المدى القصير (حتى سنتين):
• تشجيع وحث أصدقاء اليمن على الإيفاء بتعهداتهم وزيادتها لتلبية الاحتياجات الغذائية والإغاثية الطارئة، وتخفيف الفقر، وإنقاذ الغالبية العظمى من اليمنيين من المجاعة.
• تعزيز المساهمة في تقديم العون والمساعدة في مجالات الغذاء، والتعليم، والصحة.
• دعم وتشجيع المبادرات المحلية والإقليمية في مجال التنمية، لا سيّما التنمية الريفية.
• توزيع بذور محسّنة على 80% من المزارعين النشطين، ورفع إنتاج الحبوب بنسبة 20%.
• تحصين 70% من الثروة الحيوانية، وتوفير الأعلاف.
• دعم 1000 صياد بمعدات صيد، وتجهيز 5 مراكز للتبريد والتخزين الأولي.
• تأسيس مخزنين استراتيجيين للطوارئ في عدن ومأرب بسعة 10 آلاف طن.
• استئناف برامج التغذية المدرسية في 500 مدرسة على الأقل.
• إنشاء لجنة وطنية عليا للأمن الغذائي، وبنك وطني لبذور الهجن، وقاعدة بيانات وطنية للأمن الغذائي.
ثانيًا: المدى المتوسط (من 2 إلى 5 سنوات):
• رفع إنتاجية وحدة الأرض من الحبوب بنسبة 50%، واستصلاح 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
• إنشاء 10 محاجر بيطرية ونقاط رقابة صحية.
• بناء 10 مجمعات لمعالجة وتجهيز الأسماك.
• تأسيس منظومة وطنية لتخزين المواد الغذائية بسعة 100 ألف طن.
• دعم 10 آلاف مشروع زراعي وأسري صغير، لا سيّما لفئة النساء والشباب.
• تطوير وإنشاء مؤسسات وطنية متخصصة في إنتاج وإكثار البذور المحسنة.
ثالثًا: المدى الطويل (أكثر من 5 سنوات):
• تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 60% من الحبوب والثروة الحيوانية ومنتجاتها، و80% من الخضروات، و90% من البروتينات السمكية.
• زيادة دخل 70% من الأسر الريفية بمعدل 30%.
• تطوير التشريعات الوطنية الموحدة، وتفعيل نظام الإنذار المبكر للأمن الغذائي.
• دعم 5 مراكز أبحاث متخصصة، وتطوير برامج التعليم الزراعي المهني.
دعوة ختامية
إن هذه الاستراتيجية الوطنية ليست وثيقة مغلقة، بل ورقة حية قابلة للنقاش والتطوير.
وندعو من هذا المنبر كافة المؤسسات الإعلامية، والجامعات، ومراكز الأبحاث، والشركاء الوطنيين والدوليين، إلى الانخراط في مناقشتها وتطويرها، خدمةً ليمنٍ أكثر أمنًا واستقرارًا غذائيًا.
التصنيف :
كتابات واراء