نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده ديفيد إي.سانغر قال فيه إنه مع إعلان الإدارة الأمريكية عن اتفاق إسرائيل وحماس على المرحلة الأولى من خطة الرئيس دونالد ترامب، فقد بات الرئيس على حافة تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير. فقدرة ترامب على تحقيق صفقة ووقف الحرب المستمرة منذ عامين هي بمثابة امتحان لسمعته التي بناها عن نفسه بأنه صانع الصفقات.
وأوضح الرئيس ترامب مساء الأربعاء بأنه حريص على السفر إلى الشرق الأوسط للإشراف على وقف إطلاق النار والترحيب بالأسرى الذين قضوا عامين طويلين في الأسر. وبالنسبة لترامب، فإن النجاح في هذا المشروع هو الاختبار النهائي لهدفه المعلن كصانع صفقات وصانع سلام، وطريق إلى جائزة نوبل للسلام التي طالما ذكر استحقاقه لها وأكثر من مرة.
ومن المصادفة أن يتزامن إعلان لجنة جائزة نوبل عن الفائز بجائزة السلام لعام 2025 قبل ساعات فقط من مغادرته للقيام بجولة النصر في مصر وإسرائيل.
وأشار سانغر إلى أن الكثير لا يزال متيقنا وربما تحدث أخطاء في الأيام المقبلة. وفي الشرق الأوسط، غالبا ما يحدث هذا.
وربما تبدو صفقة “السلام” التي بشر بها ترامب على منصة “تروث سوشال” مساء الأربعاء أشبه بوقف مؤقت لواحدة من حروب إسرائيل الكثيرة منذ تأسيسها عام 1948، ولم تنته أبدا، لكن إذا استطاع ترامب الحفاظ على تماسك هذه الصفقة، وإذا سلمت حماس آخر 20 أسيرا على قيد الحياة هذا الأسبوع، ومعهم ورقتها التفاوضية، فسيكون ذلك خطوة استثنائية نحو خطة السلام التي سعى ترامب وسلفه، جو بايدن، جاهدين لتحقيقها، رغم العديد من الانحرافات نحو المجهول.
وإذا استطاع ترامب إقناع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسحب قواته من مدينة غزة والتخلي عن خطته للسيطرة على ما تبقى من غزة الممزقة، وإذا استطاع وقف الحرب التي أودت بحياة 1,200 شخص في إسرائيل وأكثر من 67000 فلسطيني، فسيكون قد فعل ما حاوله كثيرون قبله: التفوق على حليف صعب المراس ومعزول الآن.
وقال آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والذي لطالما انتقد زيارات ترامب المتكررة إلى الشرق الأوسط: “إن وقف إطلاق النار هذا وإطلاق سراح الأسرى، إن حدث، لم يتحققا إلا بفضل رغبة ترامب في الضغط على نتنياهو”. وأضاف: “لم يسبق لأي رئيس، جمهوريا كان أم ديمقراطيا، أن تعامل بقسوة أكبر مع رئيس وزراء إسرائيلي في قضايا بالغة الأهمية لسياساته أو مصالح بلاده الأمنية”.
ويعلم ترامب أن أفضل إنجاز دولي في ولايته الأولى، بلا منازع، كان اتفاقيات إبراهيم، التي طبعت العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، كأول دولتين عربيتين تعترفان بإسرائيل منذ ربع قرن. وانضمت السودان والمغرب لاحقا. وكان الخوف من أن تكون المملكة العربية السعودية، موطن العديد من أقدس المواقع الإسلامية، على وشك الانضمام إلى تلك الاتفاقيات هو ما ساعد في دفع حماس إلى هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لكن من نواحٍ عديدة، يعد وقف مذبحة هذه الحرب التي دمرت قيادة حماس، و90% من منازل غزة، ومزقت في نهاية المطاف مكانة إسرائيل العالمية، إنجازا أكبر.
وكان رد فعل إسرائيل العنيف على الهجوم مجالا لإظهار إسرائيل قوتها، ولكنه تركها أكثر عزلة من أي وقت مضى. وفي الأسابيع الأخيرة، دفعت الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة العديد من أقرب حلفائها إلى الدعوة لإنشاء دولة فلسطينية، حتى لو لم تكن لديهم خطة ملموسة حول مكانها أو من سيديرها. وفي جميع أنحاء العالم، ألحق تدمير إسرائيل لغزة، واستعدادها لقتل العشرات من الفلسطينيين من أجل القضاء على قائد واحد من قادة حماس، والحديث عن طرد الفلسطينيين من أرضهم ضررا أخلاقيا وسياسيا هائلا بالدولة العبرية، قد يستغرق تغييره جيلا أو أكثر وربما يغيّر سياسات المنطقة.
ومع استمرار احتجاز 48 أسيرا منهم 28 في عداد الأموات، كان نتنياهو في القمة، حيث أخبر قاعدته ونقاده على حد سواء بأنه أوفى بوعده بتدمير قيادة حماس، واستخدم أجهزة “البيجر” لاغتيال قيادة حزب الله، وساعد على إضعاف نظام بشار الأسد في سوريا الذي أطاح به متمردون به العام الماضي، وقضى على مشروع نووي تعمل إيران عليه منذ أجيال.
لكن نتنياهو تجاوز الحد، ووجد ترامب ومساعدوه الفرصة للجم عقاله، فحجم الدمار الهائل الذي تسببت به إسرائيل في غزة أثار اشمئزاز العالم، كما أن قراره ضرب قيادة حماس التي كانت مجتمعة لمناقشة خطة الرئيس ترامب في العاصمة القطرية، الدوحة، أحدث صدمة في البيت الأبيض.
ومع أن ترامب لم يعتذر أبدا عن أي عمل قام به، إلا أنه أجبر نتنياهو على فعل هذا والاتصال بالقيادة القطرية معتذرا لها، وأكد أن هذا لن يتكرر أبدا، بل نشر المكالمة علنا. وفي نفس الوقت، ناور وأقنع نتنياهو للموافقة على خطته المكونة من 21 نقطة، وهي خطة راهن المسؤول الإسرائيلي على رفض حماس لها. ولكنها فاجأت الجميع وقبلت مراحلها الأولى، فقد أدى حجم الأضرار، البشرية والمادية، إلى تضاؤل دعم الحركة بين الناجين من سكان غزة. وأصرت الدول العربية وتركيا، متأخرةً، على موافقتها على الخطة والتوقف عن القتال.
وسيعلن السيد ترامب الآن أن هذا الفصل قد انتهى، وربما يكون محقا إن شاء الله.
وإذا مضت خطة السلام قدما، فقد يكون لترامب الحق في الحصول على جائزة نوبل للسلام، تماما كما فعل الرؤساء الأمريكيون الأربعة الذين فازوا بها سابقا، وإن كان ذلك بدون تصريحات مستمرة وضغوط كما فعل: وهم ثيودور روزفلت، وودرو ويلسون، وباراك أوباما وجيمي كارتر، الذي منح الجائزة بعد عقود من مغادرته البيت الأبيض.
ومن غير الواضح تماما ما إذا كان الصراع قد انتهى حقا. ولم تشر تصريحات ترامب ونتنياهو إلا إلى الخطوة الأولى، وهي تبادل الأسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى خط لم يحدد بعد. وقد يكون الوصول إلى المرحلة التالية، حيث سيتعين على حماس التخلي عن سلاحها، والأصعب من ذلك مطالبتها بالتخلي عن إدارة غزة، أصعب من إعادة الأسرى الأحياء والأموات إلى أهاليهم. وقد تحجم حماس عن الخطوات التالية، وكذلك نتنياهو، الذي يجادل بأن المهمة لن تنجز إلا بعد مطاردة جميع مقاتلي حماس المشاركين في هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأي من هذه الخطوات قد يُفشل وقف إطلاق النار الهش.
وليس من الواضح كيف ستشكل الولايات المتحدة وحلفاؤها قيادة مؤقتة “تكنوقراطية”، أو كيف ستضمن تطهير قيادة القطاع من المتعاطفين مع حماس. يبدو من غير المرجح أن تغادر إسرائيل طالما بقيت بقايا حماس، وربما حتى بعد رحيلهم. لا يبدو أن أحدا قادر على تفسير الدور الذي ستلعبه السلطة الفلسطينية، إن وجد.
ويشير تاريخ المنطقة إلى أن التوصل إلى اتفاقيات سلام لإنهاء النزاعات يشبه إلى حدٍ ما تنظيف ما بعد الانفجارات البركانية: هناك يقين من أن ذلك سيحدث مرةً أخرى، لكن من الصعب فقط معرفة متى، أو مدى ضراوته
التصنيف :
الدولية