الرابع عشر من اكتوبر.. ذاكرة الحرية وبوصلة المستقبل


د. فائزة عبدالرقيب

الذكرى 62 لثورة الرابع عشر من اكتوبر  ليست مجرد ذكرى عابرة في الوجدان اليمني الجنوبي، بل لحظة تاريخية فارقة غيّرت مسار التاريخ في جنوب اليمن. فقد كانت الشرارة التي انهت الوجود الاستعماري البريطاني، وادت الى توحيد اكثر من احدى وعشرين سلطنة ومشيخة وإمارة، لتعيد رسم ملامح الهوية الوطنية والسيادة والاستقلال بعد اكثر من قرن من الاحتلال.

لقد جسّدت ثورة اكتوبر وحدة الإرادة الوطنية في ابهى صورها، إذ توحدت تحت رايتها فئات الشعب كافة: المزارعون، والعمال، والمثقفون، والمناضلون من مختلف المناطق. كانت ثورة ناضجة الوعي وواضحة الأهداف، لم تُبنَ على انفعال عابر، بل على مشروع تحرري متكامل هدفه الاستقلال وبناء دولة مدنية تحقق العدالة والمواطنة المتساوية.

كما مثلت تحولا نوعيا في الفكر السياسي العربي في ستينيات القرن الماضي، حين اكدت أن إرادة الشعوب اقوى من الإمبراطوريات، وأن الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، وأن اليمن، رغم جراحاته، قادر على النهوض من تحت الركام ليكتب تاريخه بيده، كانت وما تزال نداء للوعي والمسؤولية، وتذكيرا بأن الاستقلال لا يُختزل برحيل المستعمر، بل باستكمال مشروع الدولة الوطنية العادلة، وترسيخ قيم المواطنة والكرامة، وبناء المؤسسات التي تصون الحقوق والحريات.

لقد علمتنا ثورة الرابع عشر من اكتوبر، أن النضال الحقيقي لا يكون بالبندقية وحدها، بل بالعلم والعمل والتمسك بالمبادئ. فجيل الثورة قاتل من اجل الحرية والوحدة، وجيل اليوم مدعوّ للنضال من اجل صونهما، ومنع انزلاق الوطن الى التمزق او الارتهان للخارج.

ان الاحتفاء بذكرى الثورة الخالدة ليس حنينا الى ماض ولى، بل بوصلة للحاضر والمستقبل ووقفة نستحضر بها قيما ما تزال حية في الوجدان، ومشروعا وطنيا مستمرا بدأه الثوار والرعيل الاول من القيادة التاريخية للثورة، علينا الحفاظ عليه والعمل من خلاله بأفق يتطلع نحو المستقبل وانجازات مستحقة صاغها الثوار باهداف عظيمة، معمدة بدماء الشهداء الزكية، وجرحى حرب التحرير البواسل. 

وما نشهده اليوم من انقلاب مليشياوي وتمزق في النسيج الاجتماعي وتآمر خارجي باذرع داخلية، يؤكد أن المعركة لم تعد ضد مستعمر خارجي فقط، بل ضد الجهل والانقسام والفساد، وضد كل ما يعيق حلم الدولة المدنية التي ضحى لأجلها الأوائل. 

إن ذاكرة أكتوبر تذكّرنا بأن الشعوب التي ذاقت طعم الحرية، يستحيل ان تعود عبيدا لاي وصاية او تبعية، وأن بوصلة المستقبل تؤكد بأن وحدة الصف، ورفض المشاريع الصغيرة، ومكافحة الفساد، والتمسك بالعلم والمعرفة، هم جسر العبور نحو المستقبل والاستمرار في مسيرة الثورة  ونبني وطنا على هدى الشهداء والجرحى والمناضلين يليق بتضحياتهم ويخلد ذكرى الثورة في وعي الاجيال.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال